فصل: كِتَابُ الْكَفَّارَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


كِتَابُ الظِّهَارِ

المتن‏:‏

يَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَخَصِيًّا، وَظِهَارُ سَكْرَانَ كَطَلَاقِهِ، وَصَرِيحُهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَذَا أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ جِسْمُكِ أَوْ بَدَنُك أَوْ نَفْسُك كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا صَرِيحٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَدْرِهَا ظِهَارٌ، وَكَذَا كَعَيْنِهَا إنْ قَصَدَ ظِهَارًا، وَإِنْ قَصَدَ كَرَامَةً فَلَا، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ‏:‏ رَأْسُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ يَدُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَالتَّشْبِيهُ بِالْجَدَّةِ ظِهَارٌ، وَالْمَذْهَبُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ مَحْرَمٍ لَمْ يَطْرَأْ تَحْرِيمُهَا، لَا مُرْضِعَةٍ وَزَوْجَةِ ابْنٍ، وَلَوْ شَبَّهَ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَأُخْتِ زَوْجَةٍ وَأَبٍ وَمُلَاعَنَةٍ فَلَغْوٌ

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الظِّهَارِ هُوَ لُغَةً‏:‏ مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ؛ لِأَنَّ صُورَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَخَصُّوا الظَّهْرَ دُونَ الْبَطْنِ وَالْفَخِذِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ، وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبُ الزَّوْجِ، وَقِيلَ‏:‏ مِنْ الْعُلُوِّ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ‏}‏ أَيْ يَعْلُوهُ، وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقِيلَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَيُقَالُ‏:‏ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا كَرِهَ أَحَدُهُمْ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ فَتَبْقَى لَا ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا خَلِيَّةً تَنْكِحُ غَيْرَهُ، فَغَيَّرَ الشَّارِعُ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمِهَا بَعْدَ الْعَوْدِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَحَقِيقَتُهُ‏:‏ تَشْبِيهُ الزَّوْجَةِ غَيْرِ الْبَائِنِ بِأُنْثَى لَمْ تَكُنْ حِلًّا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَسُمِّيَ هَذَا الْمَعْنَى ظِهَارًا لِتَشْبِيهِ الزَّوْجَةِ بِظَهْرِ الْأُمِّ، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا‏}‏ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ ‏{‏قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ‏}‏ الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ لَمَّا ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ فَاشْتَكَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا‏:‏ حَرُمْتِ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ‏:‏ اُنْظُرْ فِي أَمْرِي فَإِنْي لَا أَصْبِرُ عَنْهُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ حَرُمْت عَلَيْهِ وَكَرَّرَتْ، وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ حَرُمْت عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَيِسَتْ اشْتَكَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُك فِي زَوْجِهَا‏}‏‏}‏ الْآيَاتِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ‏.‏ وَرُوِيَ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مُرِيهِ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، فَقَالَتْ أَيُّ رَقَبَةٍ، وَاَللَّهِ لَا يَجِدُ رَقَبَةً وَمَا لَهُ خَادِمٌ غَيْرِي فَقَالَ‏:‏ مُرِيهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَقَالَتْ‏:‏ مَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، إنَّهُ يَشْرَبُ فِي الْيَوْمِ كَذَا كَذَا مَرَّةً، فَقَالَ مُرِيهِ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَقَالَتْ‏:‏ أَنَّى لَهُ ذَلِكَ‏}‏

فَائِدَةٌ‏:‏

سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ فِي كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ سُورَةٌ تُشَابِهُهَا فِي ذَلِكَ، وَهِيَ نِصْفُ الْقُرْآنِ عَدَدًا، وَعُشْرُهُ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَلَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ‏:‏ مُظَاهِرٌ، وَمُظَاهَرٌ مِنْهَا، وَصِيغَةٌ، وَمُشَبَّهٌ بِهِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِهَا، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏يَصِحُّ‏)‏ الظِّهَارُ ‏(‏مِنْ كُلِّ زَوْجٍ‏)‏ فَلَا تَصِحُّ مُظَاهَرَةُ السَّيِّدِ مِنْ أَمَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ، أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنَاطَ حُكْمَهُ بِالنِّسَاءِ، وَمُطْلَقُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الزَّوْجَاتِ ‏(‏مُكَلَّفٍ‏)‏ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ نَعَمْ لَوْ عَلَّقَ الْمُكَلَّفُ الظِّهَارَ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ حَصَلَ الظِّهَارُ قَطْعًا، قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ، وَسَيَأْتِي ظِهَارُ السَّكْرَانِ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ شَرَطَهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ كَمَا قَالَ فِي الْإِيلَاءِ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِدُخُولِ ظِهَارِ السَّكْرَانِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ هُوَ ‏(‏ذِمِّيٌّ‏)‏ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ مَعَ دُخُولِهِ فِيمَا سَبَقَ لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّهَ شَرَطَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا لَنَا أَنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ فَيَصِحُّ مِنْهُ كَالطَّلَاقِ، وَالْكَفَّارَةُ فِيهَا شَائِبَةُ الْغَرَامَةِ، وَيُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَأَنْ يَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ، أَوْ يَقُولَ الْمُسْلِمُ‏:‏ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنْ كَفَّارَتِي وَالْحَرْبِيُّ كَالذِّمِّيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ لَشَمِلَهُ

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ الْمُصَنِّفُ مَا بَعْدَ لَوْ كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ وَلَوْ طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَدَّرْته، وَلَكِنْ الْكَثِيرُ نَصْبُهُ عَلَى حَذْفِ كَانَ وَاسْمِهَا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ وَلَوْ خَاتَمًا ‏"‏ وَلَوْ هُوَ ‏(‏خَصِيٌّ‏)‏ وَمَجْبُوبٌ وَمَمْسُوحٌ وَعِنِّينٌ كَالطَّلَاقِ، زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ‏:‏ وَعَبْدٍ لِأَجْلِ خِلَافِ مَالِكٍ فِيهِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ وَنَحْنُ نَقُولُ‏:‏ هُوَ عَاجِزٌ فَيَعْدِلُ عَنْهُ إلَى الصَّوْمِ ‏(‏وَظِهَارُ سَكْرَانَ كَطَلَاقِهِ‏)‏ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ صِحَّةُ طَلَاقِهِ فَظِهَارُهُ كَذَلِكَ وَالرُّكْنُ الثَّانِي‏:‏ الْمُظَاهَرُ مِنْهَا، وَهِيَ زَوْجَةٌ يَصِحُّ طَلَاقُهَا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرَةُ، وَالْمَرِيضَةُ، وَالرَّتْقَاءُ، وَالْقَرْنَاءُ، وَالْكَافِرَةُ، وَالرَّجْعِيَّةُ، وَتَخْرُجُ الْأَجْنَبِيَّةُ وَلَوْ مُخْتَلِعَةً وَالْأَمَةُ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ‏:‏ إذَا نَكَحْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَصِحَّ ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثُ، وَهُوَ الصِّيغَةُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَصَرِيحُهُ‏)‏ أَيْ الظِّهَارِ ‏(‏أَنْ يَقُولَ‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏لِزَوْجَتِهِ‏)‏ الْمَذْكُورَةِ ‏(‏أَنْتِ عَلَيَّ أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي‏)‏ أَوْ لَدَيَّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ‏(‏كَظَهْرِ أُمِّي‏)‏ فِي تَحْرِيمِ رُكُوبِ ظَهْرِهَا، وَأَصْلُهُ‏:‏ إتْيَانُك عَلَيَّ كَرُكُوبِ ظَهْرِ أُمِّي بِحَذْفِ الْمُضَافِ، وَهُوَ إتْيَانٌ، فَانْقَلَبَ الضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ الْمَجْرُورُ ضَمِيرًا مَرْفُوعًا مُنْفَصِلًا ‏(‏وَكَذَا‏)‏ قَوْلُهُ ‏(‏أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي‏)‏ بِحَذْفِ الصِّلَةِ ‏(‏صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ وَلَا يَضُرُّ حَذْفُهَا كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ‏:‏ مِنِّي وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنْتِ عَلَى غَيْرِي كَظَهْرِ أُمِّهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ‏:‏ لَوْ قَالَ‏:‏ أَرَدْت بِهِ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، وَجَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ قَبُولَ هَذِهِ الْإِرَادَةِ بَاطِنًا

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْمُرَادُ بِالْأُمِّ‏:‏ أُمُّ الْمَحْرَمِيَّةِ، فَلَوْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ لَغْوًا ‏(‏وَقَوْلُهُ‏)‏ لَهَا ‏(‏جِسْمُك أَوْ بَدَنُك‏)‏ أَوْ جُمْلَتُك ‏(‏أَوْ نَفْسُك‏)‏ أَوْ ذَاتُكِ ‏(‏كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا‏)‏ أَوْ ذَاتِهَا ‏(‏صَرِيحٌ‏)‏ لِتَضَمُّنِهِ الظَّهْرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْجَزْمُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّلَةَ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِالصِّلَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلَوْ قَالَ قَوْلَهُ إلَخْ كَالتَّشْبِيهِ بِالظَّهْرِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ‏)‏ الْجَدِيدُ ‏(‏أَنَّ قَوْلَهُ‏)‏ لَهَا‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ ‏(‏كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَدْرِهَا‏)‏ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي لَا تُذْكَرُ فِي مَعْرَضِ الْكَرَامَةِ وَالْإِعْزَازِ، مِمَّا سِوَى الظَّهْرِ ‏(‏ظِهَارٌ‏)‏ لِأَنَّهُ عُضْوٌ يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِهِ فَكَانَ كَالظَّهْرِ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الظِّهَارِ الْمَعْهُودَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ قَوْلُهُ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ ‏(‏كَعَيْنِهَا‏)‏ أَوْ رَأْسِهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْكَرَامَةَ، كَقَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ كَأُمِّي أَوْ رُوحِهَا أَوْ وَجْهِهَا ظِهَارٌ ‏(‏إنْ قَصَدَ ظِهَارًا‏)‏ أَيْ نَوَى أَنَّهَا كَظَهْرِ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ ‏(‏وَإِنْ قَصَدَ كَرَامَةً فَلَا‏)‏ يَكُونُ ظِهَارًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْكَرَامَةِ وَالْإِعْزَازِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَا يَكُونُ ظِهَارًا ‏(‏إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْأَشْبَهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ بِالْأَرْجَحِ حَمْلًا عَلَى الْكَرَامَةِ لِاحْتِمَالِهَا وَالثَّانِي‏:‏ يُحْمَلُ عَلَى الظِّهَارِ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي التَّشْبِيهِ بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْأُمِّ ‏(‏وَقَوْلُهُ‏)‏ لَهَا ‏(‏رَأْسُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ يَدُك‏)‏ أَوْ رِجْلُك أَوْ بَدَنُك أَوْ جِلْدُك أَوْ شَعْرُك أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ‏(‏عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يُمَثِّلَ بِالْجُزْءِ الشَّائِعِ، كَالنِّصْفِ وَالرُّبْعِ وَالثَّانِي‏:‏ لَيْسَ بِظِهَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الظِّهَارِ الْمَعْهُودَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ قَوْلًا قَدِيمًا، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْجَدِيدِ، لَا بِالْأَظْهَرِ، وَإِنْ اشْتَمَلَ تَعْبِيرُهُ عَلَى النَّوْعِ الْمُسَمَّى فِي الْبَدِيعِ بِالْجِنَاسِ اللَّفْظِيِّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ الْأَمْثِلَةَ بِالْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْأُمِّ قَدْ يُفْهِمُ إخْرَاجَ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ كَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ‏.‏ وَالْأَوْجَهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا مِثْلُ الظَّاهِرَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ الْبَعْضَ ‏(‏وَالتَّشْبِيهُ بِالْجَدَّةِ‏)‏ مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَإِنْ بَعُدَتْ، كَقَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ جَدَّتِي ‏(‏ظِهَارٌ‏)‏ لِأَنَّهَا تُسَمَّى أُمًّا وَلَهَا وِلَادَةٌ، وَتُشَارِكُ الْأُمَّ فِي الْعِتْقِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ ‏(‏وَالْمَذْهَبُ طَرْدُهُ‏)‏ أَيْ التَّشْبِيهِ الْمُقْتَضِي لِلظِّهَارِ ‏(‏فِي كُلِّ مَحْرَمٍ‏)‏ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهَا، ‏(‏لَمْ يَطْرَأْ تَحْرِيمُهَا‏)‏ عَلَى الْمُظَاهِرِ بِأَنْ لَمْ تَزَلْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، كَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ وَمُرْضِعَةِ أُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ لِمُسَاوَاتِهِنَّ الْأُمَّ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ لِوُرُودِ النَّصِّ فِي الْأُمِّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ جَرَيَانُ الطُّرُقِ فِي كُلِّ الْمَحَارِمِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْخِلَافُ فِي مَحْرَمِ النَّسَبِ قَوْلَانِ، وَفِي مَحْرَمِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ ‏(‏لَا مُرْضِعَةٍ‏)‏ لِلْمُظَاهِرِ ‏(‏وَزَوْجَةِ ابْنٍ‏)‏ لَهُ لِأَنَّهُمَا كَانَتَا حَلَالًا لَهُ فِي وَقْتٍ فَيُحْتَمَلُ إرَادَتُهُ وَأَمَّا بِنْتُ مُرْضِعَتِهِ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ ارْتِضَاعِهِ فَهِيَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ بِخِلَافِ الْمَوْلُودَةِ قَبْلَهُ، وَكَالْمَوْلُودَةِ بَعْدَهُ الْمُوَلَّدَةُ مَعَهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ حَذَفَ التَّاءَ مِنْ مُرْضِعَةٍ كَمَا مَرَّ لَهُ فِي الصَّوْمِ حَيْثُ قَالَ‏:‏ وَأَمَّا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إلَخْ كَانَ أَوْلَى ‏(‏وَلَوْ شَبَّهَ‏)‏ زَوْجَتَهُ ‏(‏بِأَجْنَبِيَّةٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَأُخْتِ زَوْجَةٍ وَأَبٍ‏)‏ لِلْمُظَاهِرِ ‏(‏وَمُلَاعَنَةٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏فَلَغْوٌ‏)‏ هَذَا التَّشْبِيهُ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى لَا يُشْبِهْنَ الْأُمَّ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ، وَالْأَبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ كَالِابْنِ وَالْغُلَامُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالْخُنْثَى هُنَا كَالذَّكَرِ لِمَا ذُكِرَ، وَالْمُلَاعَنَةُ وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمُهَا مُؤَبَّدًا لَيْسَ لِلْمَحْرَمِيَّةِ وَالْوَصْلَةِ، وَكَذَا لَوْ شَبَّهَهَا بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ مُرْتَدَّةٍ

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْدِيَةُ الْمُصَنِّفِ شَبَّهَ بِالْبَاءِ جَائِزٌ كَمَا فِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ، وَمَنَعَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ وَجَعَلَهُ لَحْنًا وَقَالَ‏:‏ الْمَسْمُوعُ تَعَدِّيهِ بِنَفْسِهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا‏:‏ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا سَبَقَ حُكْمُ تَنْجِيزِ الظِّهَارِ

المتن‏:‏

وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ‏:‏ إنْ ظَاهَرْت مِنْ زَوْجَتِي الْأُخْرَى فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَظَاهَرَ صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ ظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ أَجْنَبِيَّةٌ فَخَاطَبَهَا بِظِهَارٍ لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ، فَلَوْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ مِنْهَا صَارَ مُظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا، وَإِنْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ ظَاهَرْت مِنْهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَغْوٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ الظِّهَارَ أَوْ هُمَا أَوْ الظِّهَارَ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَالطَّلَاقُ بِكَظَهْرِ أُمِّي طَلُقَتْ وَلَا ظِهَارَ، أَوْ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَالظِّهَارَ بِالْبَاقِي طَلُقَتْ وَحَصَلَ الظِّهَارُ إنْ كَانَ طَلَاقَ رَجْعَةٍ

الشَّرْحُ‏:‏

وَأَمَّا حُكْمُ تَعْلِيقِهِ فَذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ كَالطَّلَاقِ وَالْكَفَّارَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ وَتَعْلِيقُ الظِّهَارِ ‏(‏كَقَوْلِهِ‏:‏‏)‏ إذَا جَاءَ زَيْدٌ أَوْ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ صَارَ مُظَاهِرًا لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ‏(‏إنْ ظَاهَرْت مِنْ زَوْجَتِي الْأُخْرَى فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي‏)‏ وَهُمَا فِي عِصْمَتِهِ ‏(‏فَظَاهَرَ‏)‏ مِنْ الْأُخْرَى ‏(‏صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا‏)‏ عَمَلًا بِمُوجِبِ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ، وَلَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِدُخُولِهَا الدَّارَ فَدَخَلَتْ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ نَاسٍ فَمُظَاهَرٌ مِنْهَا كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِهَا، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْجُنُونُ وَالنِّسْيَانُ فِي فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا عَوْدَ مِنْهُ حَتَّى يُفِيقَ مِنْ جُنُونِهِ، أَوْ يَتَذَكَّرَ بَعْدَ نِسْيَانِهِ ثُمَّ يُمْسِكُ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا زَمَنًا يُمْكِنُ فِيهِ الطَّلَاقُ وَلَمْ يُطَلِّقْ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ ظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ‏)‏ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَقَوْلُهُ ‏(‏وَفُلَانَةَ أَجْنَبِيَّةٌ‏)‏ لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الْمُظَاهِرِ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ الْوَقْعِ ‏(‏فَخَاطَبَهَا‏)‏ أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ ‏(‏بِظِهَارٍ لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ‏)‏ لِانْتِفَاءِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ شَرْعًا ‏(‏إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ‏)‏ أَيْ إنْ تَلَفَّظْت بِالظِّهَارِ مِنْهَا فَيَصِيرُ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ‏(‏فَلَوْ نَكَحَهَا‏)‏ أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ ‏(‏وَظَاهَرَ مِنْهَا‏)‏ بَعْدَ نِكَاحِهَا ‏(‏صَارَ مُظَاهِرًا‏)‏ مِنْ زَوْجَتِهِ الْأُولَى لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏‏:‏ إنْ ظَاهَرْت ‏(‏مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ‏)‏ فَزَوْجَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ‏(‏فَكَذَلِكَ‏)‏ أَيْ فَإِنْ خَاطَبَهَا بِظِهَارٍ قَبْلَ نِكَاحِهَا لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ أَوْ بَعْدَ نِكَاحِهَا صَارَ مُظَاهِرًا ‏(‏وَقِيلَ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا‏)‏ مِنْهَا ‏(‏وَإِنْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ‏)‏ مِنْهَا بَعْدَ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَجْنَبِيَّةٍ حِينَ الظِّهَارِ فَلَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَرَدَّ هَذَا بِأَنَّ ذِكْرَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلِاشْتِرَاطِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ النُّحَاةِ‏:‏ إنَّ الصِّفَةَ فِي الْمَعْرِفَةِ لِلتَّوْضِيحِ، نَحْوَ زَيْدٍ الْعَالِمِ، وَفِي النَّكِرَةِ لِلتَّخْصِيصِ نَحْوَ مَرَرْت بِرَجُلٍ فَاضِلٍ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ ظَاهَرْت مِنْهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ‏)‏ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ‏(‏فَلَغْوٌ‏)‏ أَيْ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الْمُظَاهِرِ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ، وَهُوَ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ‏:‏ إنْ بِعْت الْخَمْرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَتَى بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ‏:‏ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مَا لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ ظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ أَجْنَبِيَّةٍ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا عَلَّقَ بِهِ ظِهَارُهَا مِنْ ظِهَارِ فُلَانَةَ حَالَةَ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً، فَلَوْ أَرَادَ اللَّفْظَ بِظِهَارِهَا فِي الصُّورَتَيْنِ كَانَ مُظَاهِرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَنْوِ‏)‏ بِمَجْمُوعِ كَلَامِهِ هَذَا شَيْئًا ‏(‏أَوْ نَوَى‏)‏ بِهِ ‏(‏الطَّلَاقَ‏)‏ فَقَطْ ‏(‏أَوْ الظِّهَارَ‏)‏ فَقَطْ ‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى بِهِ ‏(‏هُمَا‏)‏ مَعًا ‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى ‏(‏الظِّهَارَ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَالطَّلَاقُ بِكَظَهْرِ أُمِّي طَلُقَتْ‏)‏ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ الْخَمْسِ ‏(‏وَلَا ظِهَارَ‏)‏ أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِإِتْيَانِهِ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ الظِّهَارِ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ فَلِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ لَفْظِهِ مَعَ عَدَمِ نِيَّتِهِ وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ بِلَفْظِهِ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الظِّهَارِ وَعَكْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ وَأَشَارَ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ نَوَى ‏(‏الطَّلَاقَ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَ‏)‏ نَوَى ‏(‏ الظِّهَارَ بِالْبَاقِي‏)‏ وَهُوَ كَظَهْرِ أُمِّي ‏(‏طَلُقَتْ‏)‏ قَطْعًا ‏(‏وَحَصَلَ الظِّهَارُ إنْ كَانَ طَلَاقَ رَجْعَةٍ‏)‏، لِأَنَّ الظِّهَارَ يَصِحُّ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ وَقَدْ أَتَى بِهِ مَعَ النِّيَّةِ، وَهُوَ إمَّا عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَإِ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي كَمَا قَدَّرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، أَوْ عَلَى تَعَدُّدِ الْخَبَرِ، أَيْ بِجَعْلِ ‏"‏ طَالِقٌ وَظَهْرِ أُمِّي ‏"‏ خَبَرَيْنِ عَنْ أَنْتِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ طَلَاقَ رَجْعَةٍ ‏"‏ عَنْ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ لَا ظِهَارَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي طَالِقٌ عَكَسَ مَا فِي الْمَتْنِ وَأَرَادَ الظِّهَارَ بِأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَالطَّلَاقُ بِأَنْتِ طَالِقٌ حَصَلَا، وَلَا عَوْدَ لِأَنَّهُ عَقَّبَ الظِّهَارَ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ رَاجَعَ كَانَ عَائِدًا كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ أَطْلَقَ فَمُظَاهِرٌ، وَلَا طَلَاقَ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي عَكْسِهِ، فَإِنْ أَرَادَهُمَا بِجَمِيعِ اللَّفْظَيْنِ وَقَعَ الظِّهَارُ فَقَطْ، وَكَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ أَحَدَهُمَا، أَوْ أَرَادَ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي، وَالظِّهَارُ بِطَالِقٍ

تَتِمَّةٌ‏:‏

لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى بِمَجْمُوعِهِ الظِّهَارَ فَمُظَاهِرٌ، لِأَنَّ لَفْظَ الْحَرَامِ ظِهَارٌ مَعَ النِّيَّةِ، فَمَعَ اللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ أَوْلَى، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَطَلَاقٌ، لِأَنَّ لَفْظَةَ الْحَرَامِ مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ كَصَرِيحِهِ، وَلَوْ أَرَادَهُمَا بِمَجْمُوعِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَيَثْبُتُ مَا اخْتَارَهُ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعَا جَمِيعًا لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ لَهُمَا لِاخْتِلَافِ مُوجِبِهِمَا، وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ، وَبِالْآخَرِ الظِّهَارَ، وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ حَصَلَا لِمَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الظِّهَارَ، وَبِالْآخَرِ الطَّلَاقَ وَقَعَ الظِّهَارُ فَقَطْ، إذْ الْآخَرُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِصَرَاحَتِهِ فِي الظِّهَارِ، وَإِنْ طَلَّقَ وَقَعَ الظِّهَارُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَرَامِ ظِهَارٌ مَعَ النِّيَّةِ، فَمَعَ اللَّفْظِ أَوْلَى وَأَمَّا عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلِعَدَمِ صَرِيحِ لَفْظِهِ وَنِيَّتِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّحْرِيمِ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا مُقْتَضَاهُ، وَلَا ظِهَارَ إلَّا إنْ نَوَاهُ بِكَظَهْرِ أُمِّي، وَلَوْ أَخَّرَ لَفْظَ التَّحْرِيمِ عَنْ لَفْظِ الظِّهَارِ، فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَرَامٌ فَمُظَاهِرٌ لِصَرِيحِ لَفْظِ الظِّهَارِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ‏:‏ حَرَامٌ تَأْكِيدًا، سَوَاءٌ أَنَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا فَيَدْخُلُ مُقْتَضَى التَّحْرِيمِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ الصُّغْرَى فِي مُقْتَضَى الظِّهَارِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى أَمْ أَطْلَقَ، فَإِنْ نَوَى بِلَفْظِ التَّحْرِيمِ الطَّلَاقَ وَقَعَا وَلَا عَوْدَ لِتَعْقِيبِهِ الظِّهَارَ بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَرُوحِهَا أَوْ عَيْنِهَا وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحَ ظِهَارٍ

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي أَحْكَامِ الظِّهَارِ‏]‏

المتن‏:‏

عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إذَا عَادَ، وَهُوَ أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إمْكَانَ فُرْقَةٍ، فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ فُرْقَةٌ، بِمَوْتٍ أَوْ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَوْ جُنَّ فَلَا عَوْدَ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا أَوْ لَاعَنَهَا فِي الْأَصَحِّ، بِشَرْطِ سَبْقِ الْقَذْفِ ظِهَارَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَاجَعَ أَوْ ارْتَدَّ، مُتَّصِلًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ عَائِدٌ بِالرَّجْعَةِ، لَا بِالْإِسْلَامِ، بَلْ بَعْدَهُ، وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ وَيَحْرُمُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَطْءٌ، وَكَذَا لَمْسٌ وَنَحْوُهُ بِشَهْوَةٍ فِي الْأَظْهَرِ قُلْت‏:‏ الْأَظْهَرُ الْجَوَازُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الظِّهَارِ‏)‏‏:‏ مِنْ وُجُوبِ كَفَّارَةٍ وَتَحْرِيمِ تَمَتُّعٍ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا، تَجِبُ ‏(‏عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إذَا عَادَ‏)‏ فِي ظِهَارِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏ الْآيَةَ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْعَوْدِ، وَهَلْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ، أَوْ بِالظِّهَارِ، وَالْعَوْدُ شَرْطٌ، أَوْ بِالْعَوْدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ‏؟‏ أَوْجُهٌ ذَكَرَهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمُوَافِقُ لِتَرْجِيحِهِمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجِبُ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ جَمِيعًا

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّرَاخِي، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ، لَكِنَّهُ جَزَمَ فِي بَابِ الصَّوْمِ بِأَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَحَكَاهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْقَفَّالِ، وَعِبَارَةُ الْقَفَّالِ‏:‏ كُلُّ كَفَّارَةٍ سَبَبُهَا مَعْصِيَةٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَقَدْ يُدْفَعُ هَذَا بِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْعَوْدُ أَوْ مَجْمُوعُهَا عَلَى الْخِلَافِ، وَالْعَوْدُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، حَكَاهُ فِي التَّوْشِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا قُلْنَا‏:‏ السَّبَبُ الْعَوْدُ فَقَطْ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا إذَا قُلْنَاهُمَا؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ حَرَامٌ، وَالْعَوْدُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَرَامٌ وَحَلَالٌ فَيَغْلِبُ الْحَرَامُ وَقَالَ‏:‏ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَطَأْ أَمَّا بَعْدَ الْوَطْءِ فَهَلْ هِيَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ ا هـ‏.‏ وَقَضَيْته تَرْجِيحُ الْفَوْرِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْعَوْدُ فِي الظِّهَارِ ‏(‏أَنْ يُمْسِكَهَا‏)‏ الْمُظَاهِرُ ‏(‏بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إمْكَانِ فُرْقَةٍ‏)‏ لِأَنَّ تَشْبِيهَهَا بِالْأُمِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُمْسِكَهَا زَوْجَةً فَإِذَا مَسَكَهَا زَوْجَةً فَقَدْ عَادَ فِيمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ لِلْقَوْلِ مُخَالَفَتُهُ، يُقَالُ‏:‏ قَالَ فُلَانٌ قَوْلًا ثُمَّ عَادَ لَهُ وَعَادَ فِيهِ أَيْ خَالَفَهُ وَنَقَضَهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ عَادَ فِي هِبَتِهِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا فِي الظِّهَارِ الْمُؤَبَّدِ أَوْ الْمُطْلَقِ وَفِي غَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الظِّهَارِ الْمُؤَقَّتِ إنَّمَا يَصِيرُ عَائِدًا بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ لَا بِالْإِمْسَاكِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْعَوْدُ فِي الرَّجْعِيَّةِ، إنَّمَا هُوَ بِالرَّجْعَةِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الظِّهَارِ وَقَصَدَ بِهِ التَّأْكِيدَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْدٍ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ تَمَكُّنِهِ بِالْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ بَدَلَ التَّأْكِيدِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَقِبَ الظِّهَارِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ مَثَلًا فَلَمْ تَقْبَلْ، فَقَالَ عَقِبَهُ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا عِوَضٍ فَلَيْسَ بِعَائِدٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ كَقَوْلِهِ‏:‏ يَا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُصُولِ الْعَوْدِ بِمَا ذُكِرَ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِهَا ‏(‏فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ‏)‏ أَيْ الظِّهَارِ ‏(‏فُرْقَةٌ بِمَوْتٍ‏)‏ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا ‏(‏أَوْ فَسْخٌ‏)‏ لِلنِّكَاحِ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبِهَا أَوْ بِانْفِسَاخٍ كَرِدَّةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمِلْكِهَا لَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ فُرْقَةٍ بِسَبَبِ ‏(‏طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَوْ جُنَّ‏)‏ الزَّوْجُ عَقِبَ ظِهَارِهِ ‏(‏فَلَا عَوْدَ‏)‏ وَلَا كَفَّارَةَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْفِرَاقِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَفَوَاتِ الْإِمْسَاكِ فِي الْأُولَى وَانْتِفَائِهِ فِي غَيْرِهَا ‏(‏وَكَذَا لَوْ‏)‏ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ الرَّقِيقَةِ ثُمَّ ‏(‏مَلَكَهَا‏)‏ بِشِرَاءٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏أَوْ لَاعَنَهَا‏)‏ مُتَّصِلًا ذَلِكَ بِالظِّهَارِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَائِدًا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهَا فِي النِّكَاحِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَبْدَلَ حِلًّا بِحِلٍّ أَقْوَى مِنْهُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَوَجْهُ الْأَصَحِّ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُوجِبُ الْفِرَاقَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْكَلِمَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْفِرَاقِ بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ عَقِبَ الظِّهَارِ‏:‏ أَنْتِ يَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ طَالِقٌ، وَأَطَالَ فِي ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ وَالنَّسَبِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَائِدًا، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ تَخَلُّلُ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ، وَلَوْ اشْتَغَلَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِأَسْبَابِهِ، كَالسَّوْمِ وَتَقْدِيرِ الثَّمَنِ كَانَ عَائِدًا فِي الْأَصَحِّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا قَيَّدْت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ مَلَكَهَا عَقِبَ ظِهَارِهِ بِإِرْثٍ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَائِدًا قَطْعًا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِهَا فَقَبِلَهَا مُتَّصِلًا بِالظِّهَارِ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا، وَإِلَّا فَيَصِيرُ عَائِدًا إنْ قُلْنَا‏:‏ إنَّ الْوَصِيَّةَ تَمَلُّكٌ بِالْقَبُولِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ‏:‏ وَلَوْ وُهِبَتْ لَهُ مُتَّصِلًا فَعَائِدٌ جَزْمًا فِيمَا ظَهَرَ، إذْ لَا تَمَلُّكَ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِرْ عَائِدًا فِي اللِّعَانِ عَلَى الْأَصَحِّ ‏(‏بِشَرْطِ سَبْقِ الْقَذْفِ‏)‏ وَالْمُرَافَعَةُ لِلْقَاضِي ‏(‏ظِهَارَهُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِمَا فِي تَأْخِيرِ ذَلِكَ عَنْ الظِّهَارِ مِنْ زِيَادَةِ التَّطْوِيلِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ مَا ذَكَرَ لِاشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْفِرَاقِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ اللِّعَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ مَلَكَهَا فِي الْأَصَحِّ أَوْ لَاعَنَهَا عَلَى النَّصِّ كَانَ مُوَافِقًا لِاصْطِلَاحِهِ ‏(‏وَلَوْ رَاجَعَ‏)‏ مَنْ طَلَّقَهَا عَقِبَ ظِهَارِهِ، هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ سَابِقًا‏:‏ لَمْ يُرَاجِعْ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏أَوْ ارْتَدَّ‏)‏ بَعْدَ دُخُولٍ ‏(‏مُتَّصِلًا‏)‏ هُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ ارْتَدَّ لَا مِنْ فَاعِلِ رَاجَعَ ‏(‏ثُمَّ أَسْلَمَ‏)‏ بَعْدَ رِدَّتِهِ فِي الْعِدَّةِ ‏(‏فَالْمَذْهَبُ‏)‏ بَعْدَ الْجَزْمِ بِعَوْدِ الظِّهَارِ وَحُكْمِهِ ‏(‏أَنَّهُ عَائِدٌ بِالرَّجْعَةِ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يُمْسِكْهَا عَقِبَ الرَّجْعَةِ بَلْ طَلَّقَهَا ‏(‏لَا بِالْإِسْلَامِ، بَلْ‏)‏ هُوَ عَائِدٌ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ إنْ مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ زَمَنٌ يَسَعُ الْفُرْقَةَ، هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَقِيلَ فِيهِمَا قَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ، وَالصَّحِيحُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الِاسْتِبَاحَةُ وَمَقْصُودَ الْإِسْلَامِ الرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ إمْسَاكٌ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدَهُ ‏(‏وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ‏)‏ لِمَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لَاسْتِقْرَارهَا بِالْإِمْسَاكِ كَالدَّيْنِ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ‏(‏وَيَحْرُمُ‏)‏ فِي الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ ‏(‏قَبْلَ التَّكْفِيرِ‏)‏ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏وَطْءٌ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا‏}‏ وَفِي الصَّوْمِ‏:‏ ‏{‏فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا‏}‏ وَيُقَدَّرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فِي الْإِطْعَامِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظَاهَرَ‏:‏ ‏{‏لَا تَقْرَبَهَا حَتَّى تُكَفِّرَ‏}‏ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ‏.‏ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ حَتَّى يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ مَعَ طُولِ زَمَنِهِ فَمَنْعُهُ حَتَّى يُكَفِّرَ بِالْإِطْعَامِ أَوْلَى لِقِصَرِ زَمَنِهِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ‏(‏لَمْسٌ وَنَحْوُهُ‏)‏ كَالْقُبْلَةِ ‏(‏بِشَهْوَةٍ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَدْعُو إلَى الْوَطْءِ وَيُفْضِي إلَيْهِ، وَحَمْلًا لِلْمَسِّ فِي الْآيَةِ عَلَى الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ ‏(‏قُلْت‏:‏ الْأَظْهَرُ الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ وَهَذَا مَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ تَرْجِيحُهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لَا يَحِلُّ بِالنِّكَاحِ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ، حَمْلًا لِلْمَسِّ فِي الْآيَةِ عَلَى الْجِمَاعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَفِيهِ الْخِلَافُ فِي الْحَيْضِ، وَالْأَصَحُّ مِنْهُ التَّحْرِيمُ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي هُنَا، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَرْجِيحَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ الْإِمَامِ وَرَجَّحَهُ فِي الصَّغِيرِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ قَطْعًا، وَتَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِمُبَاشَرَةِ الْبَشَرَةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ

المتن‏:‏

وَيَصِحُّ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ مُؤَقَّتًا، وَفِي قَوْلٍ مُؤَبَّدًا، وَفِي قَوْلٍ لَغْوٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّ عَوْدَهُ لَا يَحْصُلُ بِإِمْسَاكٍ بَلْ بِوَطْءٍ فِي الْمُدَّةِ وَيَجِبُ النَّزْعُ بِمُغَيِّبِ الْحَشَفَةِ

الشَّرْحُ‏:‏

وَأَمَّا الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ فَقَدْ شَرَعَ فِي صِحَّتِهِ وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَيَصِحُّ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ‏)‏ كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي شَهْرًا ظِهَارًا ‏(‏مُؤَقَّتًا‏)‏ فِي الْأَظْهَرِ عَمَلًا بِالتَّأْقِيتِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ فَصَحَّ كَالظِّهَارِ الْمُعَلَّقِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ يَصِحُّ ظِهَارًا ‏(‏مُؤَبَّدًا‏)‏ وَيَلْغُو تَأْقِيتُهُ تَغْلِيبًا لِشَبَهِهِ بِالطَّلَاقِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ الْمُؤَقَّتُ ‏(‏لَغْوٌ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَبِّدْ التَّحْرِيمَ، فَأَشْبَهَ مَا شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ لَا تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا إثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْكَفَّارَةِ دُونَ الْإِثْمِ بَلْ يَأْثَمُ بِلَا خِلَافٍ ‏(‏فَعَلَى الْأَوَّلِ‏)‏ وَهُوَ صِحَّتُهُ مُؤَقَّتًا ‏(‏الْأَصَحُّ‏)‏ بِالرَّفْعِ ‏(‏أَنَّ عَوْدَهُ‏)‏ فِيهِ ‏(‏لَا يَحْصُلُ بِإِمْسَاكٍ‏)‏ لِزَوْجَةٍ ظَاهَرَ مِنْهَا مُؤَقَّتًا ‏(‏بَلْ‏)‏ يَحْصُلُ ‏(‏بِوَطْءٍ فِي الْمُدَّةِ‏)‏ لِأَنَّ الْحِلَّ مُنْتَظَرٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَالْإِمْسَاكُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِانْتِظَارِ الْحِلِّ أَوْ لِلْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا وَطِئَ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْإِمْسَاكُ لِأَجْلِ الْوَطْءِ، وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ الْعَوْدَ فِيهِ كَالْعَوْدِ فِي الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ إلْحَاقًا لِأَحَدِ نَوْعَيْ الظِّهَارِ بِالْآخَرِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْوَطْءَ نَفْسَهُ عَوْدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ يَتَبَيَّنُ بِهِ الْعَوْدُ بِالْإِمْسَاكِ عَقِبَ الظِّهَارِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ، بَلْ ‏(‏يَجِبُ النَّزْعُ بِمُغَيِّبِ الْحَشَفَةِ‏)‏ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَاسْتِمْرَارِ الْوَطْءِ وَطْءٌ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطَأْ فِيهَا وَوَطِئَ بَعْدَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ لِارْتِفَاعِ الظِّهَارِ، وَأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ وَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى انْقَضَتْ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ لِارْتِفَاعِ الظِّهَارِ وَبَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الظِّهَارَ الْمُؤَقَّتَ يُخَالِفُ الْمُطْلَقَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ‏:‏ إحْدَاهَا‏:‏ أَنَّ الْعَوْدَ فِيهِ بِالْوَطْءِ ثَانِيهَا‏:‏ أَنَّ الْوَطْءَ الْأَوَّلَ حَلَالٌ ثَالِثُهَا‏:‏ أَنَّ التَّحْرِيمَ بَعْدَ الْوَطْأَةِ الْأُولَى يَمْتَدُّ إلَى التَّكْفِيرِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ حَرَّمَ الْمَسِيسَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، فَمَنْ قَالَ‏:‏ أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَقَدْ زَادَ شَرْطًا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ كَانَ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَارَ مُظَاهِرًا مُولِيًا لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْوَطْءِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِذَا وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةُ يَمِينِ الْإِيلَاءِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إذْ لَا يَمِينَ، وَقِيلَ‏:‏ تَلْزَمُهُ مَعَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبَا التَّعْلِيقَةِ وَالْأَنْوَارِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ ذَلِكَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْيَمِينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، وَلَوْ قَيَّدَ الظِّهَارَ بِمَكَانٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالظِّهَارِ الْمُؤَقَّتِ بِزَمَانٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَإِذَا قُلْنَا‏:‏ يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ الْمَكَانِ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا فِي ذَلِكَ الظِّهَارِ إلَّا بِالْوَطْءِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَمَتَى وَطِئَهَا فِيهِ حَرُمَ وَطْؤُهَا مُطْلَقًا حَتَّى يُكَفِّرَ ا هـ‏.‏ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ وَمَا قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا بِدُخُولِهَا الدَّارَ أَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ، أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَهُوَ كَالظِّهَارِ الْمُطْلَقِ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَوْ وَقَّتَ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا كَأَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ شَهْرًا وَنَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا، أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَلَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ لِأَرْبَعٍ‏:‏ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ، فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ، وَفِي الْقَدِيمِ كَفَّارَةٌ، وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَعَائِدٌ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَلَوْ كَرَّرَ فِي امْرَأَةٍ مُتَّصِلًا وَقَصَدَ تَأْكِيدًا فَظِهَارٌ وَاحِدٌ، أَوْ اسْتِئْنَافًا فَالْأَظْهَرُ التَّعَدُّدُ، وَأَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَائِدٌ فِي الْأَوَّلِ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ لِأَرْبَعٍ‏:‏‏)‏ جَمَعَهُنَّ فِي ظِهَارٍ وَاحِدٍ ‏(‏أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ‏)‏ لِوُجُودِ لَفْظِهِ الصَّرِيحِ ‏(‏فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ‏)‏ زَمَنًا يَسَعُ طَلَاقَهُنَّ فَعَائِدٌ مِنْهُنَّ وَحِينَئِذٍ ‏(‏فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ‏)‏ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ لِوُجُودِ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْعَوْدُ فِي بَعْضِهِنَّ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِعَدَدِ مَنْ عَادَ فِيهِ مِنْهُنَّ ‏(‏وَفِي الْقَدِيمِ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏كَفَّارَةٌ‏)‏ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ أَمْسَكَهُنَّ أَوْ بَعْضَهُنَّ لِاتِّحَادِ الْكَلِمَةِ أَمَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ قَطْعًا لِتَعَدُّدِ الْكَلِمَةِ ‏(‏وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ‏)‏ أَيْ الْأَرْبَعِ ‏(‏بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ‏)‏ أَوْ غَيْرِ مُتَوَالِيَةٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى ‏(‏فَعَائِدٌ‏)‏ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ ‏(‏مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ‏)‏ أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُتَوَالِيَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْمُتَوَالِيَةِ فَلِعَوْدِهِ فِي الْأُولَى بِظِهَارِ الثَّانِيَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِظِهَارِ الثَّالِثَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِظِهَارِ الرَّابِعَةِ، فَإِنْ فَارَقَ الرَّابِعَةَ عَقِبَ ظِهَارِهَا فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَإِلَّا فَأَرْبَعٌ ‏(‏وَلَوْ كَرَّرَ‏)‏ لَفْظَ الظِّهَارِ ‏(‏فِي امْرَأَةٍ‏)‏ وَاحِدَةٍ تَكْرِيرًا ‏(‏مُتَّصِلًا وَقَصَدَ‏)‏ بِهِ ‏(‏تَأْكِيدًا فَظِهَارٌ وَاحِدٌ‏)‏ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ كَالطَّلَاقِ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ إنْ أَمْسَكَهَا عَقِبَ الْمَرَّاتِ، وَإِنْ فَارَقَهَا عَقِبَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِمُتَّصِلًا مَا لَوْ فَصَلَ وَقَصَدَ تَأْكِيدًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْأَصَحِّ تَغْلِيبًا لِلطَّلَاقِ، وَقِيلَ‏:‏ يُقْبَلُ تَغْلِيبًا لِشُبْهَةِ الْيَمِينِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَفَّرَ فَالثَّانِي ظِهَارٌ جَدِيدٌ قَطْعًا لِانْقِضَاءِ حُكْمِ الْأَوَّلِ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَصَدَ بِتَكْرِيرِ الظِّهَارِ فِي امْرَأَةٍ ‏(‏اسْتِئْنَافًا فَالْأَظْهَرُ‏)‏ الْجَدِيدُ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ ‏(‏التَّعَدُّدُ‏)‏ لِلظِّهَارِ بِعَدَدِ الْمُسْتَأْنَفِ كَالطَّلَاقِ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَتَعَدَّدُ كَتَكَرُّرِ الْيَمِينِ عَلَى شَيْءٍ مَرَّاتٍ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَظْهَرُ عَلَى التَّعَدُّدِ ‏(‏أَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَائِدٌ فِي‏)‏ الظِّهَارِ ‏(‏الْأَوَّلِ‏)‏ لِلْإِمْسَاكِ زَمَنَهَا وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ بِهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَمَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْجِنْسِ لَا يُجْعَلُ عَائِدًا

تَنْبِيهٌ‏:‏

سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا، وَالْأَظْهَرُ فِيهِ الِاتِّحَادُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ وَالزَّوْجُ يَمْلِكُهُ فَإِذَا كَرَّرَ فَالظَّاهِرُ اسْتِيفَاءُ الْمَمْلُوكِ بِخِلَافِ الظِّهَارِ، وَلَوْ قَصَدَ بِالْبَعْضِ تَأْكِيدًا، وَبِالْبَعْضِ اسْتِئْنَافًا أُعْطِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَرَّرَ هَذَا اللَّفْظَ بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ لَمْ يَتَعَدَّدْ وَإِنْ فَرَّقَهُ فِي مَجَالِسَ، وَإِنْ كَرَّرَهُ بِنِيَّةِ الِاسْتِئْنَافِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَاتُ، سَوَاءٌ أَفَرَّقَهُ أَمْ لَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا بِعَوْدٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا عَقِبَ الدُّخُولِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَتَعَدَّدْ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَاسْتَشْكَلَ الْبُلْقِينِيُّ التَّعَدُّدَ فِي الِاسْتِئْنَافِ بِمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ مِرَارًا بِقَصْدِ الِاسْتِئْنَافِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمُهَذَّبِ وَفَتَاوَى الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا غُمُوضٌ ا هـ‏.‏ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي الظِّهَارِ شِبْهُ الطَّلَاقِ

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَتَمَكَّنَ مِنْ التَّزَوُّجِ تَوَقَّفَ الظِّهَارُ عَلَى مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ لِيَحْصُلَ الْيَأْسُ مِنْهُ، لَكِنْ لَا عَوْدَ لِوُقُوعِ الظِّهَارِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَحْصُلُ إمْسَاكٌ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ إذَا لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا بِإِمْكَانَ التَّزَوُّجِ عَقِبَ التَّعْلِيقِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إنْ وَإِذَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك وَكَفَّرَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يُجْزِهِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبَيْنِ جَمِيعًا كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ، وَلَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِصِفَةٍ وَكَفَّرَ قَبْلَ وُجُودِهَا، أَوْ عَلَّقَ عِتْقَ كَفَّارَتِهِ بِوُجُودِ الصِّفَةِ لَمْ يُجْزِهِ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ مَلَكَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا وَأَعْتَقَهَا عَنْ ظِهَارِهِ صَحَّ، وَلَوْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ فَقَالَ لِسَيِّدِهَا وَلَوْ قَبْلَ الْعَوْدِ أَعْتِقْهَا عَنْ ظِهَارِي أَوْ إيلَائِي فَفَعَلَ عَتَقَتْ عَنْهُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهَا عَنْهُ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَهَا لَهُ

كِتَابُ الْكَفَّارَةِ

المتن‏:‏

وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ‏:‏ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ أَقْرَعُ أَعْرَجُ يُمْكِنُهُ تِبَاعُ مَشْيٍ، وَأَعْوَرُ وَأَصَمُّ وَأَخْرَسُ وَأَخْشَمُ، وَفَاقِدُ أَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ، وَأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ لَا زَمِنٌ وَلَا فَاقِدُ رِجْلٍ أَوْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ أَوْ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا قُلْت‏:‏ أَوْ أُنْمُلَةِ إبْهَامٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا هَرِمٌ عَاجِزٌ، وَمَنْ أَكْثَرُ وَقْتِهِ مَجْنُونٌ وَمَرِيضٌ لَا يُرْجَى، فَإِنْ بَرَأَ بَانَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الْكَفَّارَةِ أَيْ جِنْسُهَا، لَا كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَطْ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ، وَهُوَ السِّتْرُ لِسِتْرِهَا الذَّنْبَ تَخْفِيفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُمِّيَ الزَّارِعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْبَذْرَ، وَهَلْ الْكَفَّارَاتُ بِسَبَبٍ حَرَامٍ زَوَاجِرُ كَالْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ، أَوْ جَوَابِرُ لِلْخَلَلِ الْوَاقِعِ، وَجْهَانِ‏:‏ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ، وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَافْتَتَحَ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ‏}‏ وَصَدَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يُعْتَبَرُ فِي أَنْوَاعِ الْكَفَّارَاتِ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَهُ خِصَالَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَطْ مُبْتَدِئًا بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا فَقَالَ ‏(‏يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا‏)‏ بِأَنْ يَنْوِيَ الْعِتْقَ أَوْ الصَّوْمَ أَوْ الْإِطْعَامَ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ تَطْهِيرًا كَالزَّكَاةِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، فَلَا يَكْفِي الْإِعْتَاقُ أَوْ الصَّوْمُ أَوْ الْكِسْوَةُ أَوْ الْإِطْعَامُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ بِالنَّذْرِ، نَعَمْ لَوْ نَوَى الْوَاجِبَ بِالظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ كَفَى، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا عَنْ ظِهَارٍ أَوْ سَبٍّ نَذْرٍ أَوْ قَتْلٍ أَجْزَأَهُ نِيَّةُ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِطْعَامِ بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ بَلْ صَوَّبَهُ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَإِنْ صَحَّحَ هُنَا تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ اقْتِرَانُهَا بِذَلِكَ، وَإِذَا قَدَّمَهَا فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبُ قَرْنِهَا بِعَزْلِ الْمَالِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَسَيَأْتِي أَوَاخِرَ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ ‏(‏لَا تَعْيِينُهَا‏)‏ بِأَنْ تُقَيِّدَ بِظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي زَكَاةِ الْمَالِ تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ بَلْ تَكْفِي نِيَّةُ أَصْلِهَا، فَلَوْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَكَانَ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ وَظِهَارٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا، وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً وَقَعَتْ عَنْ إحْدَاهُمَا وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْيِينُهَا فِي النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُعْظَمِ خِصَالِهَا بَارِعَةٌ إلَى الْغَرَامَاتِ فَاكْتَفَى فِيهَا بِأَصْلِ النِّيَّةِ نَعَمْ لَوْ نَوَى غَيْرَ مَا عَلَيْهِ، وَلَوْ خَطَأٌ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ أَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْطَأَ فِي الْحَدَثِ حَيْثُ يَصِحُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِارْتِفَاعِهِ يَرْتَفِعُ غَيْرُهُ، وَهُنَا لَمْ يُكَفِّرْ عَمَّا عَلَيْهِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

الذِّمِّيُّ الْمُظَاهِرُ كَالْمُسْلِمِ يُكَفِّرُ بَعْدَ عَوْدِهِ بِالْعِتْقِ وَالطَّعَامِ، وَيُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِأَنْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ الْكَافِرُ أَوْ يَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ‏:‏ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنْ كَفَّارَتِي فَيُجِيبُهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَالصَّوْمُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ، وَلَا يُطْعِمُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّوْمِ فَيَتْرُكُ الْوَطْءَ، أَوْ يُسْلِمُ وَيَصُومُ ثُمَّ يَطَأُ وَيَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ لِلتَّمْيِيزِ لَا لِلتَّقَرُّبِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ‏:‏ كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلَوْ دَفَعَ مَالًا لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا بِنِيَّةِ الْوَفَاءِ كَانَ هِبَةً قَالَ‏:‏ وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَكَالذِّمِّيِّ فِيمَا ذَكَرَ مُرْتَدٌّ بَعْدَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَتُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ فَيَطَأُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَفَّرَ فِي الرِّدَّةِ وَتَنْقَسِمُ الْكَفَّارَةُ إلَى نَوْعَيْنِ‏:‏ مُخَيَّرَةٌ فِي أَوَّلِهَا، وَمُرَتَّبَةٌ فِي آخِرِهَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَمُرَتَّبَةٌ وَهِيَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالظِّهَارِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي خِصَالِهِ فَقَالَ ‏(‏وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ‏)‏ ثَلَاثَةٌ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لَسَلِمَ مِنْ إيهَامِ تَفْسِيرِ الْخِصَالِ بِالْعِتْقِ الْمَوْصُوفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَصْلَةَ الثَّانِيَةَ وَلَا الثَّالِثَةَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعِتْقَ وَأَحْكَامَهُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ صَامَ، وَذَكَرَ حُكْمَ الصَّوْمِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ، وَلَوْ قَالَ خِصَالُهَا مُرَتَّبَةٌ‏:‏ أَحَدُهَا ‏(‏عِتْقُ رَقَبَةٍ‏)‏ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَلِلرَّقَبَةِ الْمُجْزِئَةِ فِي الْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ أَوَّلُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏مُؤْمِنَةٍ‏)‏ وَلَوْ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ تَبَعًا لِلسَّابِي فَلَا يُجْزِئُ كَافِرٌ قَالَ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ وَأُلْحِقَ بِهَا غَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَيْهَا، أَوْ حَمْلًا لِمُطْلَقِ آيَةِ الظِّهَارِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي آيَةِ الْقَتْلِ كَحَمْلِ الْمُطْلَقِ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ‏}‏ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِكَافِرٍ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ بِهِ، وَيُشْتَرَطُ الْإِيمَانُ فِي بَاقِي الْكَفَّارَاتِ أَيْضًا الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ تَكُونَ سَالِمَةً ‏(‏بِلَا عَيْبٍ‏)‏ فِيهَا ‏(‏يُخِلُّ‏)‏ بِأَنْ يَضُرَّ ‏(‏بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ‏)‏ إضْرَارًا بَيِّنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْمِيلُ حَالِهِ لِيَتَفَرَّغَ لِوَظَائِفِ الْأَحْرَارِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إذَا اسْتَقَلَّ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّمِنَ يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ لَكِنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَمَلِ كَانَ أَخْصَرَ، وَيَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ الْكَسْبُ مِنْ عَطْفِ أَعَمَّ عَلَى أَخَصَّ قَالَ الْأَصْحَابُ‏:‏ وَمُلَاحَظَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَيْبِ هُنَا بِمَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ نَظِيرُ مُلَاحَظَتِهِ فِي عَيْبِ الْأُضْحِيَّةِ مَا يُنْقِصُ اللَّحْمَ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِيهَا، وَفِي عَيْبِ النِّكَاحِ مَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْجِمَاعِ، وَفِي عَيْبِ الْمَبِيعِ مَا يُخِلُّ بِالْمَالِيَّةِ فَاعْتُبِرَ فِي كُلِّ بَابٍ مَا يَلِيقُ بِهِ ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا اعْتَبَرَهُ فِي وَصْفِ الرَّقَبَةِ مِنْ إجْزَاءٍ وَمَنْعٍ وَالثَّانِي مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ‏:‏ لَا زَمِنٌ، وَالْأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ ‏(‏فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ‏)‏ وَلَوْ ابْنُ يَوْمٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ تَبَعًا لِلسَّابِي لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يُرْجَى كِبَرُهُ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَفَارَقَ فِي الْغُرَّةِ حَيْثُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا الصَّغِيرُ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلِأَنَّ غُرَّةَ الشَّيْءِ خِيَارُهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُكَفِّرُ بِهِ مُكَلَّفًا لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَنِينَ وَلَوْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ كَمَا قَالَ الْقَفَّالُ ‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏أَقْرَعُ‏)‏ وَهُوَ مَنْ لَا نَبَاتَ بِرَأْسِهِ ‏(‏أَعْرَجُ‏)‏ بِحَذْفِ الْعَاطِفِ ‏(‏يُمْكِنُهُ تِبَاعُ مَشْيٍ‏)‏ بِأَنْ يَكُونَ عَرَجُهُ غَيْرَ شَدِيدٍ، وَلَوْ عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ الْمَشْيَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ كَانَ أَوْلَى ‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏أَعْوَرُ‏)‏ لَمْ يُضْعِفْ عَوَرُهُ بَصَرَ عَيْنِهِ السَّلِيمَةِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، فَإِنْ أَضْعَفَهَا وَأَضَرَّ الْعَمَلَ إضْرَارًا بَيِّنًا لَمْ يَجُزْ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَعْمَى وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَبْصَرَ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ فِي الْعَمَى، وَعُرُوضُ الْبَصَرِ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ بِخِلَافِ الْمَرَضِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَذَا يُشْكَلُ بِقَوْلِهِمْ لَوْ ذَهَبَ بَصَرُهُ بِجِنَايَةٍ فَأَخَذَ دِيَتَهُ ثُمَّ عَادَ اُسْتُرِدَّتْ؛ لِأَنَّ الْعَمَى الْمُحَقَّقَ لَا يَزُولُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي الْعَمَى الْأَصْلِيُّ وَالثَّانِي فِي الطَّارِئِ ‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏أَصَمُّ‏)‏ وَهُوَ فَاقِدُ السَّمْعِ ‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏أَخْرَسُ‏)‏ قَالَ فِي التَّنْبِيهِ‏:‏ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ وَفِي الرَّوْضَةِ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ‏:‏ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهُمَا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ‏:‏ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّمَمِ وَالْخَرَسِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ ذَلِكَ يُورِثُ زِيَادَةَ الضَّرَرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏أَخْشَمُ‏)‏ بِخَاءٍ وَشِينٍ مُعْجَمَتَيْنِ فَاقِدُ الشَّمِّ ‏(‏وَفَاقِدُ أَنْفِهِ، وَ‏)‏ فَاقِدُ ‏(‏أُذُنَيْهِ، وَ‏)‏ فَاقِدُ ‏(‏أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ‏)‏ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ فَقْدَ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ بِخِلَافِ فَاقِدِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ فَلَا يُجْزِئُ، وَيُجْزِئُ فَاقِدُ الْأَسْنَانِ وَالْمَجْبُوبُ وَالْعِنِّينُ وَالْأَمَةُ الرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ وَالْأَبْرَصُ وَالْمَجْذُومُ وَضَعِيفُ الْبَطْشِ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُ صَنْعَةً وَالْأَحْمَقُ، وَهُوَ مَنْ يَضَعُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ وَوَلَدُ الزِّنَا وَالْفَاسِقُ ‏(‏لَا زَمِنٌ‏)‏ وَنَحِيفٌ لَا عَمَلَ فِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏فَاقِدُ رِجْلٍ أَوْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ‏)‏ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَفَتْحِ ثَانِيهِمَا وَكَسْرِهِ ‏(‏مِنْ يَدٍ‏)‏ وَأَفْهَمَ أَنَّ فَقْدَ أَحَدِهِمَا أَوْ فَقْدَهُمَا مِنْ يَدَيْنِ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ ‏(‏أَوْ‏)‏ فَاقِدُ ‏(‏أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا‏)‏ كَإِبْهَامٍ وَسَبَّابَةٍ وَوُسْطَى؛ لِأَنَّ فَقْدَهُمَا مُضِرٌّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ فَقْدَ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ لَا يَضُرُّ، وَإِنَّمَا يَضُرُّ فَقْدُهُمَا جُمْلَةً، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ‏:‏ وَفَقْدُ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ أُصْبُعٍ كَفَقْدِ تِلْكَ الْأُصْبُعِ ‏(‏قُلْت‏:‏ أَوْ‏)‏ فَاقِدُ ‏(‏أُنْمُلَةِ إبْهَامٍ‏)‏ فَيَضُرُّ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِتَعَطُّلِ مَنْفَعَتِهَا إذًا فَأَشْبَهَ قَطْعَهَا

تَنْبِيهٌ‏:‏

عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فَاقِدُ يَدٍ وَأَشَلُّهَا مِثْلُهُ وَلَا فَاقِدُ أَصَابِعِهَا، وَلَا فَاقِدُ أُصْبُعٍ مِنْ إبْهَامٍ، أَوْ سَبَّابَةٍ أَوْ وُسْطَى وَأَنَّهُ يُجْزِئُ فَاقِدُ خِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ الْأُخْرَى وَفَاقِدُ أُنْمُلَةٍ مِنْ غَيْرِ الْإِبْهَامِ، فَلَوْ فُقِدَتْ أَنَامِلُهُ الْعُلْيَا مِنْ الْأَصَابِعِ الْأَرْبَعِ أَجْزَأَ، وَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يُجْزِئُ ‏(‏هَرِمٌ عَاجِزٌ‏)‏ عَنْ الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏مَنْ أَكْثَرُ وَقْتِهِ مَجْنُونٌ‏)‏ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَنْ هُوَ فِي أَكْثَرِهَا عَاقِلٌ فَيُجْزِئُ تَغْلِيبًا لِلْأَكْثَرِ فِي الشِّقَّيْنِ، وَمَنْ اسْتَوَى زَمَنُ جُنُونِهِ وَزَمَنُ إفَاقَتِهِ يُجْزِئُ، نَعَمْ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْإِفَاقَةِ الْكَثِيرَةِ ضَعْفٌ يَمْنَعُ الْعَمَلَ زَمَنًا يُؤَثِّرُ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ زَمَنِ الْجُنُونِ أَكْثَرُ مِنْ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ ضَرٌّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي عِبَارَتِهِ إسْنَادُ الْجُنُونِ إلَى الزَّمَنِ، وَالْأَصْلُ‏:‏ وَلَا مَنْ هُوَ فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ مَجْنُونٌ، فَيَكُونُ مِنْ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ كَنَهَارِهِ صَائِمٌ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏مَرِيضٌ لَا يُرْجَى‏)‏ بُرْءُ عِلَّتِهِ كَصَاحِبِ السُّلِّ فَإِنَّهُ كَالزَّمِنِ بِخِلَافِ مَنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ إعْتَاقِهِ لِوُجُودِ الرَّجَاءِ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ، وَمَوْتُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَرَضٍ آخَرَ ‏(‏فَإِنْ بَرَأَ‏)‏ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَنْ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بَعْدَ إعَاقَتِهِ ‏(‏بَانَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِخَطَإِ الظَّنِّ وَالثَّانِي‏:‏ لَا، لِاخْتِلَالِ النِّيَّةِ وَقْتَ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ حَجَّ عَنْ غَيْرِ الْمَعْضُوبِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مَعْضُوبٌ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَلَى الْأَصَحِّ

المتن‏:‏

وَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَا أُمِّ وَلَدٍ وَذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ، وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ جَعْلَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ كَفَّارَةً لَمْ يَجُزْ وَلَهُ تَعْلِيقُ عِتْقِ الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ، وَإِعْتَاقُ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ عَنْ كُلٍّ نِصْفُ ذَا وَنِصْفُ ذَا، وَلَوْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ نِصْفَيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ فَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا

الشَّرْحُ‏:‏

الشَّرْطُ الثَّالِثُ‏:‏ كَمَالُ الرِّقِّ فِي الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ‏)‏ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ بِأَنْ كَانَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا ‏(‏بِنِيَّةِ‏)‏ عِتْقِهِ عَنْ ‏(‏كَفَّارَةٍ‏)‏ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَى الْكَفَّارَةِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ‏:‏ تَمَلُّكُ قَرِيبٍ لَكَانَ أَشْمَلَ فَإِنَّ هِبَتَهُ وَإِرْثَهُ وَقَبُولَ الْوَصِيَّةِ بِهِ كَذَلِكَ ‏(‏وَلَا‏)‏ عِتْقَ ‏(‏أُمِّ وَلَدٍ‏)‏ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا عِتْقَ ‏(‏ذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ‏)‏ لِأَنَّ عِتْقَهُ يَقَعُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ بِدَلِيلِ اسْتِتْبَاعِ الْكَسْبِ فَيُمْنَعُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهَا، نَعَمْ إنْ وُجِدَ التَّعْجِيزُ جَازَ عَلَى النَّصِّ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِي التَّنْقِيحِ هَذَا التَّفْصِيلَ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا فَقَدْ اعْتَرَضَ بِأَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى فِي بَابِ الْكِتَابَةِ الْإِجْزَاءَ فِي الْفَاسِدَةِ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ عَنْ النَّصِّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

جَرَّ الْمُصَنِّفُ أُمَّ الْوَلَدِ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى إضَافَةِ عِتْقِ الْمُقَدَّرِ كَمَا قَدَّرْته فِيهِمَا، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا فَاعِلَيْنِ لِيُجْزِئَ بِلَا تَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَلَا يَجُوزُ عَطْفُهُمَا عَلَى ‏"‏ شِرَاءُ ‏"‏ لِعَدَمِ صِحَّةِ شِرَائِهِمَا لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ‏)‏ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ كَقَوْلِهِ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ ‏(‏وَمُعَلَّقٌ‏)‏ عِتْقُهُ ‏(‏بِصِفَةٍ‏)‏ غَيْرِ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِمَا تَامٌّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ، هَذَا إذَا نَجَّزَ عِتْقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ عَلَّقَهُ بِمَا يُوجَدُ قَبْلَ الصِّفَةِ الْأُولَى وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ‏(‏فَإِنْ أَرَادَ جَعْلَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ‏)‏ بِهَا ‏(‏كَفَّارَةً‏)‏ عِنْدَ حُصُولِهَا ‏(‏لَمْ يَجُزْ‏)‏ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ أَوَّلًا لِعَبْدِهِ‏:‏ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ يَقُولَ لَهُ ثَانِيًا إنْ دَخَلْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي فَيُعْتَقُ الْمُعَلَّقُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ دُخُولِهَا، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ كَفَّارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ التَّنْجِيزُ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَهُ تَعْلِيقُ عِتْقِ الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ‏)‏ عَلَى الْأَصَحِّ كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ‏:‏ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي فَدَخَلَهَا عَتَقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّعْلِيقِ السَّابِقِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَنْهَا أَنْ يَكُونَ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ حَالَ التَّعْلِيقِ، فَلَوْ قَالَ لِمُكَاتَبِهِ كِتَابَةً صَحِيحَةً، إذَا عَجَزْت عَنْ النُّجُومِ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي أَوْ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمْت فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، أَوْ قَالَ‏:‏ إنْ خَرَجَ الْجَنِينُ سَلِيمًا فَهُوَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ عَتَقَ وَلَمْ يَجُزْ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ الْمُجْزِئَ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ ثُمَّ كَاتَبَهُ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ أَجْزَأَهُ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُعَلَّقِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَيُجْزِئُ مَرْهُونٌ وَجَانٍ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُمَا بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا، وَيُجْزِئُ آبِقٌ وَمَغْصُوبٌ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْ غَاصِبِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ هَذَا إنْ عُلِمَ حَيَاتُهُمَا وَلَوْ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لِكَمَالِ رِقِّهِمَا، سَوَاءٌ أَعَلِمَا عِتْقَ أَنْفُسِهِمَا أَمْ لَا، لِأَنَّ عِلْمَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ فَكَذَا فِي الْإِجْزَاءِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ حَيَاتُهُمَا لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُهُمَا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَيَقَّنٌ وَالْمُسْقِطَ مَشْكُوكٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ تَجِبُ لِلِاحْتِيَاطِ، وَتُجْزِئُ حَامِلٌ وَإِنْ اسْتَثْنَى حَمْلَهَا وَيَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي صُورَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الِاسْتِثْنَاءُ نُفُوذَ الْعِتْقِ لَمْ يَمْنَعْ سُقُوطَ الْفَرْضِ، وَلَا يُجْزِئُ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ وَلَا مُسْتَأْجَرٌ لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْكَسْبِ لِنَفْسِهِمَا وَلِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَنَافِعِهِمَا، وَبِهَذَا فَارَقَ الْمَرِيضُ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالصَّغِيرُ وَيُجْزِئُ مَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ يُقْتَلُ غَالِبًا، فَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ كَانَ كَمَرِيضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالْمُتَحَتَّمُ قَتْلُهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ الْقَتْلُ عَنْهُ وَقَدْ تَرْجِعُ الْبَيِّنَةُ وَلَا يَضُرُّ فِي الْعِتْقِ هُنَا التَّشْقِيصُ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ يُجْزِئُ ‏(‏إعْتَاقُ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ‏)‏ اتَّفَقَ جِنْسُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ ‏(‏عَنْ كُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏نِصْفُ ذَا‏)‏ الْعَبْدِ ‏(‏وَنِصْفُ ذَا‏)‏ الْعَبْدِ لِتَخْلِيصِ الرَّقَبَتَيْنِ مِنْ الرِّقِّ، وَهَلْ يَقَعُ الْعِتْقُ مُبَعَّضًا عَلَى مَا نَوَاهُ ثُمَّ يَسْرِي أَوْ يَقَعُ كُلُّ عَبْدٍ عَنْ كَفَّارَةٍ‏؟‏ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ الْأَوَّلِ وَنَسَبَهُ فِي الشَّامِلِ لِلْجُمْهُورِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ ظَهَرَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا أَوْ مُسْتَحَقًّا مَثَلًا فَعَلَى التَّبْعِيضِ لَمْ يَجُزْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ كَفَّارَتِهِ، وَعَلَى الثَّانِي‏:‏ يَبْرَأُ مِنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَبْقَى عَلَيْهِ أُخْرَى

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ سَكَتَ الْمُكَفِّرُ عَنْ التَّشْقِيصِ بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَتَقَعُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَنْ كَفَّارَةٍ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ ‏(‏وَلَوْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ نِصْفَيْنِ‏)‏ لَهُ مِنْ عَبْدَيْنِ ‏(‏عَنْ كَفَّارَةٍ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏فَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا‏)‏ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ إفَادَةُ الِاسْتِقْلَالِ وَالثَّانِي، الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَمَا لَا يُجْزِئُ شِقْصَانِ فِي الْأُضْحِيَّةِ الثَّالِثُ‏:‏ الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا تَنْزِيلًا لِلْأَشْقَاصِ مَنْزِلَةَ الْأَشْخَاصِ، وَخَرَجَ بِالْمُعْسِرِ الْمُوسِرُ فَيَجْزِيهِ ذَلِكَ بِلَا قَيْدٍ لِسَرَيَانِهِ إلَى بَاقِيهِمَا

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ حُرًّا لَمْ يُجْزِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ لِخُلُوصِ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ ا هـ‏.‏ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَوْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ عَنْ كَفَّارَتِهِ، فَإِنْ نَوَى مَعَ عِتْقِ نَصِيبِهِ صَرْفَ عِتْقِ نَصِيبِ شَرِيكٍ أَيْضًا إلَيْهَا أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَيَنْصَرِفُ نَصِيبُهُ فَقَطْ إلَيْهَا فَيُكْمِلُ مَا يُوَفِّي رَقَبَةً

المتن‏:‏

وَلَوْ أَعْتَقَ بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ عَنْ كَفَّارَةٍ، وَالْإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَطَلَاقٍ بِهِ، فَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِك عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَ نَفَذَ وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا فَفَعَلَ عَتَقَ عَنْ الطَّالِبِ وَعَلَيْهِ الْعِوَضُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَقِبَ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ ثَمَنَهُ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا لَا بُدَّ مِنْهُ لَزِمَهُ الْعِتْقُ

الشَّرْحُ‏:‏

الشَّرْطُ الرَّابِعُ خُلُوُّ الرَّقَبَةِ عَنْ شَوْبِ الْعِوَضِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ أَعْتَقَ‏)‏ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ‏(‏بِعِوَضٍ‏)‏ يَأْخُذُهُ ‏(‏لَمْ يَجُزْ‏)‏ ذَلِكَ الْإِعْتَاقُ ‏(‏عَنْ كَفَّارَةٍ‏)‏ لِعَدَمِ تَجَرُّدِهِ لَهَا

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ إطْلَاقُهُ الْعِوَضَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَعْلِ الْعِوَضِ عَلَى الْعَبْدِ كَأَعْتَقْتُك عَنْ كَفَّارَتِي عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَأَعْتَقْت عَبْدِي هَذَا عَنْ كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ عَلَيْك فَقَبِلَ، أَوْ يَقُولُ لَهُ الْأَجْنَبِيُّ‏:‏ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنْ كَفَّارَتِك وَعَلَيَّ كَذَا فَيُعْتِقُهُ فَوْرًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ عَلَى الْمُلْتَمِسِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَيَقَعُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ عَنْ الْبَاذِلِ وَلَا هُوَ اسْتَدْعَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَمَّا ذَكَرَ الْعِتْقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِعِوَضٍ بَيَّنَ حُكْمَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ اسْتِطْرَادًا، فَقَالَ ‏(‏وَالْإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَطَلَاقٍ بِهِ‏)‏ فَيَكُونُ مِنْ الْمَالِكِ بِهِ مُعَاوَضَةً فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ، وَمِنْ الْمُسْتَدْعِي مُعَاوَضَةً فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ وَالْجَوَابُ عَنْ الِاسْتِدْعَاءِ عَلَى الْفَوْرِ، فَلَوْ تَأَخَّرَ عَنْ الْمَالِكِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ عَقَدَ فِي الْمُحَرَّرِ لِهَذَا فَصْلًا وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ دَخِيلٌ فِي الْبَابِ، وَلِهَذَا قُلْت تَبَعًا لِلشَّارِحِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اسْتِطْرَادًا ‏(‏فَلَوْ قَالَ‏)‏ شَخْصٌ لِسَيِّدِ مُسْتَوْلَدَةٍ ‏(‏أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِك عَلَى أَلْفٍ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏فَأَعْتَقَ‏)‏ فَوْرًا ‏(‏نَفَذَ‏)‏ إعْتَاقُهُ ‏(‏وَلَزِمَهُ‏)‏ أَيْ الْمُلْتَمِسَ ‏(‏الْعِوَضُ‏)‏ الْمَذْكُورُ لَاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ افْتِدَاءً مِنْ الْمُسْتَدْعِي نَازِلًا مَنْزِلَةَ اخْتِلَاعِ الْأَجْنَبِيِّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشَارَ بِقَوْلِهِ‏:‏ فَأَعْتَقَ إلَى أَنَّ عِتْقَهَا مُتَّصِلَ فَإِنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ فَصْلٍ طَوِيلٍ وَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْمَالِكِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَدْعِي، وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَك عَنِّي عَلَى أَلْفٍ فَقَالَ ‏:‏ أَعْتَقْتهَا عَنْك فَإِنَّهَا تُعْتَقُ عَنْ الْمَالِكِ، وَيَلْغُو قَوْلُهُ‏:‏ عَنْك لِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ‏:‏ طَلِّقْ زَوْجَتَك عَنِّي عَلَى كَذَا فَطَلَّقَ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْعِوَضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَخَيَّلُ فِي الطَّلَاقِ انْتِقَالُ شَيْءٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَوْلَدَةِ فَقَدْ يُتَخَيَّلُ جَوَازُ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ ‏(‏وَكَذَا لَوْ قَالَ‏)‏ شَخْصٌ لِسَيِّدِ عَبْدٍ ‏(‏أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى كَذَا‏)‏ كَأَلْفٍ وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ عَنْك وَلَا عَنِّي بَلْ أَطْلَقَ ‏(‏فَأَعْتَقَ‏)‏ فَوْرًا نَفَذَ قَطْعًا وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ فَيَكُونُ افْتِدَاءً كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَسْتَحِقُّ إذْ لَا افْتِدَاءَ فِي ذَلِكَ؛ لِإِمْكَانِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشْعَرَ قَوْلُهُ عَلَى كَذَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْعِوَضِ مَالًا، فَلَوْ قَالَ‏:‏ عَلَى خَمْرٍ أَوْ عَلَى مَغْصُوبٍ مَثَلًا نَفَذَ وَلَزِمَ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ ظَهَرَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ بَلْ يَرْجِعُ الْمُسْتَدْعِي الْعِتْقَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ ثُمَّ إنْ كَانَ عَيْبًا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْكَفَّارَةِ لَمْ تَسْقُطْ بِهِ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا‏)‏ كَأَلْفٍ أَوْ زَقِّ خَمْرٍ ‏(‏فَفَعَلَ‏)‏ فَوْرًا وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى الطَّالِبِ ‏(‏عَتَقَ عَنْ الطَّالِبِ‏)‏ لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فِي السِّرَايَةِ فَلَأَنْ يَقَعَ عَنْهُ بِرِضَا الْمَالِكِ وَإِعْتَاقِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ عَلَى الطَّالِبِ كَفَّارَةٌ وَنَوَاهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ‏(‏وَعَلَيْهِ الْعِوَضُ‏)‏ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ مَالًا عَمَلًا بِالْتِزَامِهِ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَالٍ كَالْخُلْعِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ مَجَّانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عِوَضًا وَلَا نَفَاهُ بِأَنْ قَالَ‏:‏ أَعْتِقْهُ عَنْ كَفَّارَتِي وَسَكَتَ عَنْ الْعِوَضِ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ اقْضِ دَيْنِي، وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَعْتِقْهُ عَنِّي وَلَا عِتْقَ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ، وَإِيرَادُ الْجُمْهُورِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَأَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ مَقْبُوضَةٌ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَفَعَلَ إلَى اشْتِرَاطِ اتِّصَالِ الْجَوَابِ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ عَتَقَ عَنْ الْمَالِكِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الطَّالِبِ، فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا لَمَلَّكْنَاهُ إيَّاهُ وَجَعَلْنَا الْمَسْئُولَ نَائِبًا فِي الْإِعْتَاقِ وَالْمِلْكُ فِي مَسْأَلَتِنَا يُوجِبُ الْعِتْقَ، وَالتَّوْكِيلُ بَعْدَهُ بِالْإِعْتَاقِ لَا يَصِحُّ وَيَصِيرُ دَوْرًا، قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الطَّالِبَ ‏(‏يَمْلِكُهُ‏)‏ أَيْ الْمَطْلُوبَ إعْتَاقُهُ ‏(‏عَقِبَ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ‏)‏ الْوَاقِعِ بَعْدَ الِاسْتِدْعَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْمِلْكِ ‏(‏ثُمَّ يُعْتَقُ عَلَيْهِ‏)‏ لِتَأَخُّرِ الْعِتْقِ عَنْ الْمِلْكِ فَيَقَعَانِ فِي زَمَنَيْنِ لَطِيفَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَالثَّانِي يَحْصُلُ الْمِلْكُ وَالْعِتْقُ مَعًا بَعْدَ تَمَامِ اللَّفْظِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مَعَ الْمَشْرُوطِ يَقَعَانِ مَعًا وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي التَّعْلِيقِ بِالتَّعْلِيقِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ صَحَّ وَلَزِمَ الْمُسَمَّى لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْبَيْعِ لِتَوَقُّفِ الْعِتْقِ عَلَى الْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ بِعْنِيهِ وَأَعْتِقْهُ عَنِّي وَقَدْ أَجَابَهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ مَجَّانًا أَوْ بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَقَعَ عَنْ الْمُعْتِقِ دُونَ الْمُسْتَدْعِي

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْعِتْقُ يَنْفُذُ بِالْعِوَضِ وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ مُسْتَأْجَرًا أَوْ مَغْصُوبًا لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي ذَلِكَ ضِمْنِيٌّ فَيُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ‏:‏ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ عَنْ كَفَّارَتِي وَنَوَاهَا بِقَلْبِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ وَالْكِسْوَةُ مِثْلُ الْإِطْعَامِ كَمَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ ‏(‏وَ‏)‏ أَشَارَ لِضَابِطِ الْمُعْتِقِ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهُ كُلُّ ‏(‏مَنْ مَلَكَ عَبْدًا‏)‏ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلْأَمَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَلَكَ ‏(‏ثَمَنَهُ‏)‏ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ‏)‏ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ شَرْعًا ‏(‏نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا‏)‏ وَإِخْدَامًا ‏(‏لَا بُدَّ مِنْهُ لَزِمَهُ الْعِتْقُ‏)‏ وَهَذَا جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ مَا ذَكَرَ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ‏}‏ الْآيَةَ أَمَّا مَنْ مَلَكَ عَبْدًا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهِ لِمَرَضٍ، أَوْ كِبَرٍ، أَوْ ضَخَامَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ خِدْمَتِهِ نَفْسَهُ، أَوْ مَنْصِبٌ يَأْبَى أَنْ يَخْدُمَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَالْمَعْدُومِ، بِخِلَافِ مَنْ هُوَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ فَيَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ، لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِصَرْفِ الْعَبْدِ إلَى الْكَفَّارَةِ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَإِنَّمَا يَفُوتُهُ نَوْعُ رَفَاهِيَةٍ، وَاسْتَثْنَى فِي الْمُهِمَّاتِ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ السَّفِيهَ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُهُمْ هُنَا يَشْمَلُهُ، فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ ذَكَرَ فِي الْحَجْرِ أَنَّهُ كَالْمُعْسِرِ حَتَّى إذَا حَلَفَ وَحَنِثَ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَسَكَتُوا عَنْ تَقْدِيرِ مُدَّةِ النَّفَقَةِ وَبَقِيَّةِ الْمُؤَنِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ ذَلِكَ بِالْعُمْرِ الْغَالِبِ وَأَنْ يُقَدَّرَ سَنَةً، وَصَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْهُمَا الثَّانِي، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهَا مَعَ أَنَّ مَنْقُولَ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ بِالثَّانِي عَلَى قِيَاسِ مَا صَنَعَ فِي الزَّكَاةِ‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْحَجِّ وَفِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَنَّ كُتُبَ الْفَقِيهِ لَا تُبَاعُ فِي الْحَجِّ وَلَا تَمْنَعُ أَخْذَ الزَّكَاةِ وَفِي الْفَلَسِ مِنْ أَنَّ خَيْلَ الْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ تَبْقَى لَهُ يُقَالُ بِمِثْلِهِ هُنَا بَلْ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ

المتن‏:‏

وَلَا يَجِبُ بَيْعُ ضَيْعَةٍ وَرَأْسِ مَالٍ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِهِ، وَلَا مَسْكَنٍ وَعَبْدٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا شِرَاءٌ بِغَبْنٍ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اعْتِبَارُ الْيَسَارِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَجِبُ‏)‏ عَلَى الْمُكَفِّرِ ‏(‏بَيْعُ ضَيْعَةٍ‏)‏ وَهِيَ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ‏:‏ الْعَقَارُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ‏(‏وَ‏)‏ لَا بَيْعُ ‏(‏رَأْسِ مَالٍ‏)‏ لِلتِّجَارَةِ بِحَيْثُ ‏(‏لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا‏)‏ مِنْ غَلَّةِ الضَّيْعَةِ وَرِبْحِ مَالَ التِّجَارَةِ ‏(‏عَنْ كِفَايَتِهِ‏)‏ لِمُمَوِّنِهِ لِتَحْصِيلِ عَبْدٍ يُعْتِقُهُ بَلْ يَعْدِلُ الْمُكَفِّرُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلصَّوْمِ، فَإِنْ فَضَلَ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِهِ بَاعَهُمَا قَطْعًا ‏(‏وَلَا‏)‏ بَيْعَ ‏(‏مَسْكَنٍ وَعَبْدٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِعُسْرِ مُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ وَنَفَاسَتِهِمَا بِأَنْ يَجِدَ بِثَمَنِ الْمَسْكَنِ مَسْكَنًا يَكْفِيهِ وَعَبْدًا يُعْتِقُهُ، وَبِثَمَنِ الْعَبْدِ عَبْدًا يَخْدُمُهُ وَآخَرَ يُعْتِقُهُ وَالثَّانِي‏:‏ يَجِبُ بَيْعُهُمَا لِتَحْصِيلِ عَبْدٍ يُعْتِقُهُ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى مُفَارِقَةِ الْمَأْلُوفِ فِي ذَلِكَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَلِفَهُمَا لَوْ لَمْ يَأْلَفْهُمَا فَيَجِبُ الْبَيْعُ وَالْإِعْتَاقُ قَطْعًا

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْخَادِمِ بَدَلَ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْأَمَةَ كَذَلِكَ لَا سِيَّمَا إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا لِلْوَطْءِ وَفِي الِاسْتِذْكَارِ‏:‏ لَوْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ لِلْوَطْءِ وَخَادِمٌ إنْ أَمْكَنَ أَنْ تَخْدُمَهُ الْأَمَةُ أَعْتَقَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَبْدِ الْجِنْسُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ هُنَا كَذَلِكَ وَيَجِبُ بَيْعُ فَاضِلِ دَارِهِ الْوَاسِعَةِ إنْ أَمْكَنَ بَيْعُهُ مَعَ سُكْنَى الْبَاقِي، إذْ لَا ضَرَرَ وَلَا عُسْرَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَأْلُوفَةُ وَغَيْرُهَا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ كَثِيرِينَ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا، وَبَيْعُ ثَوْبٍ نَفِيسٍ لَا يَلِيقُ بِالْمُكَفِّرِ، إذَا حَصَلَ بِهِ غَرَضُ اللُّبْسِ وَغَرَضُ التَّكْفِيرِ إلَّا إذَا كَانَ مَأْلُوفًا كَمَا مَرَّ فِي الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ بَعْضِهِ لِعُسْرِ مُفَارِقَةِ الْمَأْلُوفِ فَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَفِي الْحَجِّ يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْمَأْلُوفِ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْحَجَّ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِلْإِعْتَاقِ بَدَلٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا مَرَّ فِي الْفَلَسِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْمُفْلِسِ خَادِمٌ وَلَا مَسْكَنٌ أَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا كَمَا مَرَّ وَأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ، وَمَنْ لَهُ أُجْرَةٌ تَزِيدُ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ لِجَمْعِ الزِّيَادَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ فَلَهُ الصَّوْمُ، وَلَوْ تَيَسَّرَ جَمْعُ الزِّيَادَةِ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ مَا قَارَبَهَا، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ صِيَامِهِ وَجَبَ الْعِتْقُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَلَا‏)‏ يَجِبُ ‏(‏شِرَاءٌ بِغَبْنٍ‏)‏ وَإِنْ قَلَّ كَمَاءِ الطَّهَارَةِ كَأَنْ وَجَدَ عَبْدًا لَا يَبِيعُهُ مَالِكُهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ، بَلْ عَلَيْهِ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَجِدَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ مَنْ يُعْتِقُهُ، وَكَذَا لَوْ غَابَ مَالُهُ يَصْبِرُ إلَى حُضُورِهِ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَكَانَ التَّكْفِيرُ عَنْ ظِهَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَأُخِذَتْ الرَّقَبَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ، بِخِلَافِ مِثْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْضَى عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةِ الرَّقَبَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمِنَّةِ، بَلْ يُسَنُّ ‏(‏وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اعْتِبَارُ الْيَسَارِ‏)‏ الَّذِي يَلْزَمُ بِهِ الْإِعْتَاقُ ‏(‏بِوَقْتِ الْأَدَاءِ‏)‏ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، فَاعْتُبِرَ حَالُ أَدَائِهَا كَالصَّوْمِ، وَالتَّيَمُّمِ، وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِي‏:‏ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ لَهَا، وَجَرَى عَلَى هَذَا صَاحِبُ التَّنْبِيهِ، وَنَبَّهْت عَلَى ضَعْفِهِ فِي شَرْحِهِ وَالثَّالِثُ بِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ وَقْتَيْ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرِّ، أَمَّا الْعَبْدُ الْمَظَاهِرُ فَلَا يَتَأَتَّى تَكْفِيرُهُ بِعِتْقٍ وَلَا إطْعَامٍ بَلْ يَصُومُ، وَلِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ

المتن‏:‏

فَإِنْ عَجَزَ عَنْ عِتْقٍ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِالْهِلَالِ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ بَدَأَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ، وَيَفُوتُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ وَكَذَا بِمَرَضٍ فِي الْجَدِيدِ، لَا بِحَيْضٍ وَكَذَا جُنُونٌ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ الْمُظَاهِرُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا ‏(‏عَنْ عِتْقٍ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏)‏ لِلْآيَةِ، فَلَوْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ بِالِاسْتِقْرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ تَرَقَّى إلَى الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ مَلَكَ رَقَبَةً فَقَتَلَهَا هَلْ لَهُ الصَّوْمُ‏؟‏ إنْ قُلْنَا‏:‏ إنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْأَدَاءِ صَامَ كَمَا رَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ شَرَعَ الْمُعْسِرُ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ إعْتَاقٌ، وَيُعْتَبَرُ الشَّهْرَانِ ‏(‏بِالْهِلَالِ‏)‏ وَلَوْ نَقَصَا، وَيَكُونُ صَوْمُهُمَا ‏(‏بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ‏)‏ مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ جِهَةِ الْكَفَّارَةِ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ مَثَلًا كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَصَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ، وَاسْتَثْنَى فِي الْمَطْلَبِ مَا لَوْ صَامَ شَهْرًا عَنْ كَفَّارَةٍ، ثُمَّ آخَرَ عَنْ أُخْرَى، ثُمَّ آخَرَ عَنْ الْأُولَى، ثُمَّ آخَرَ عَنْ الْأُخْرَى فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ شَرْطٌ ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ اكْتِفَاءً بِالتَّتَابُعِ الْفِعْلِيِّ، وَلِأَنَّ التَّتَابُعَ شَرْطٌ فِي الْعِبَادَةِ فَلَا تَجِبُ نِيَّتُهُ كَسِتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِي‏:‏ يُشْتَرَطُ كُلَّ لَيْلَةٍ لِيَكُونَ مُتَعَرِّضًا لِخَاصَّةِ هَذَا الصَّوْمِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُكَفِّرِ الصَّوْمُ إلَّا بِتَحْقِيقِ جَوَازِهِ بِتَعَذُّرِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ، فَلَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ الصَّوْمَ قَبْلَ طَلَبِ الرَّقَبَةِ ثُمَّ طَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا لَمْ تَصِحَّ النِّيَّةُ ‏(‏فَإِنْ بَدَأَ‏)‏ بِهَمْزَةٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالصَّوْمِ ‏(‏فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ‏)‏ كَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ الْمُحَرَّمِ ‏(‏حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ‏)‏ وَهُوَ صَفَرُ ‏(‏بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ‏)‏ الشَّهْرَ ‏(‏ الْأَوَّلَ‏)‏ وَهُوَ الْمُحَرَّمُ ‏(‏مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ‏)‏ يَوْمًا بِعَشَرَةٍ مِنْ رَبِيعٍ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ فِيهِ إلَى الْهِلَالِ فَاعْتُبِرَ بِالْعِدَّةِ ‏(‏وَيَفُوتُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ‏)‏ وَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ كَمَا إذَا فَسَدَ صَوْمُهُ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي، وَالنِّسْيَانُ لَا يُجْعَلُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ، وَهَلْ يَبْطُلُ مَا مَضَى أَوْ يَنْقَلِبُ نَفْلًا‏؟‏ فِيهِ قَوْلَانِ‏:‏ رَجَّحَ فِي الْأَنْوَارِ أَوَّلَهُمَا وَابْنُ الْمُقْرِي ثَانِيَهُمَا، وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِفْسَادِ بِلَا عُذْرٍ وَالثَّانِي عَلَى الْإِفْسَادِ بِعُذْرٍ، وَلَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ وَلَوْ مِنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي شَكَّ فِي نِيَّتِهِ لَمْ يَضُرَّ إذْ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْيَوْمِ، وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا أَضْيَقُ مِنْ الصَّوْمِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَفْطَرَ لِسَفَرٍ، أَوْ أَفْطَرَتْ الْحَامِلُ، أَوْ الْمُرْضِعُ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، أَوْ أَفْطَرَ لِفَرْطِ الْجُوعِ فَإِنَّ التَّتَابُعَ يَفُوتُ وَإِنْ وُجِدَ عُذْرٌ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَفُوتُ التَّتَابُعُ لِعُذْرٍ ‏(‏بِمَرَضٍ‏)‏ مُسَوِّغٍ لِلْفِطْرِ ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ وَقَدْ أَفْطَرَ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ فَأَفْطَرَ، وَالْقَدِيمُ لَا يُقْطَعُ التَّتَابُعُ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ رَمَضَانَ، وَهُوَ يَسْقُطُ بِالْمَرَضِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ خَوْفَ الْمَرَضِ قَاطِعٌ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَزُولُ التَّتَابُعُ فِي الصَّوْمِ ‏(‏بِحَيْضٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّوْمَ وَلَا تَخْلُو عَنْهُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ فِي الشَّهْرِ غَالِبًا، وَالتَّأْخِيرُ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ فِيهِ خَطَرٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَعْتَدَّ الِانْقِطَاعَ شَهْرَيْنِ فَأَكْثَرُ، فَإِنْ اعْتَادَتْ ذَلِكَ فَشَرَعَتْ فِي الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ يَتَخَلَّلُهُ الْحَيْضُ انْقَطَعَ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَكَذَا لَوْ ابْتَدَأَ الْمُكَفِّرُ الصَّوْمَ فِي وَقْتٍ يَعْلَمُ دُخُولَ مَا يَقْطَعُهُ عَنْ إتْيَانِهِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ

تَنْبِيهٌ‏:‏

النِّفَاسُ كَالْحَيْضِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ‏:‏ يَقْطَعُهُ لِنُدْرَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطُرُوِّ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي كَفَّارَةِ قَتْلٍ لَا ظِهَارٍ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ، وَمِنْ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ ذِكْرَهُ الْحَيْضَ هُنَا وَكَلَامَهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ‏.‏ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي مُطْلَقِ الْكَفَّارَةِ، وَأَيْضًا قَدْ يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمَرْأَةِ بِأَنْ تَصُومَ عَنْ قَرِيبِهَا الْمَيِّتِ الْعَاجِزِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِنَاءً عَلَى الْقَدِيمِ الْمُخْتَارِ ‏(‏وَكَذَا جُنُونٌ‏)‏ لَا يَزُولُ بِهِ التَّتَابُعُ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِمُنَافَاتِهِ لِلصَّوْمِ كَالْحَيْضِ وَيَأْتِي فِي الْجُنُونِ الْمُتَقَطِّعِ مَا سَبَقَ عَنْ الْمُتَوَلِّي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ، وَالْإِغْمَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ كَالْجُنُونِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ‏:‏ كَالْمَرَضِ، وَكَلَامُ التَّنْقِيحِ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِنِيَّتِهِمَا بَطَلَ صَوْمُهُ وَيَأْثَمُ بِقَطْعِ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ لِيَسْتَأْنِفَ، إذْ هُمَا كَصَوْمِ يَوْمٍ، وَلَوْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ فِيهِمَا لَيْلًا عَصَى وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ

المتن‏:‏

فَإِنْ عَجَزَ عَنْ صَوْمٍ بِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَوْ لَحِقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ أَوْ خَافَ زِيَادَةَ مَرَضٍ كَفَّرَ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَوْ فَقِيرًا لَا كَافِرًا، وَلَا هَاشِمِيًّا، وَمُطَّلِبِيًّا سِتِّينَ مُدًّا، مِمَّا يَكُونُ فِطْرَةً

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ الْمُظَاهِرُ ‏(‏عَنْ صَوْمٍ‏)‏ أَوْ وَلَاءٍ ‏(‏بِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ الْأَكْثَرُونَ‏)‏ مِنْ الْأَصْحَابِ ‏(‏لَا يُرْجَى زَوَالُهُ‏)‏ وَقَالَ الْأَقَلُّونَ كَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ‏:‏ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَرَضِ بِكَوْنِهِ يَدُومُ شَهْرَيْنِ إمَّا بِظَنِّ عَادَةٍ مُطَّرِدَةٍ فِي مِثْلِهِ أَوْ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ، وَصَحَّحَ هَذَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا لَفُهِمَ مِنْهُ الْأَوَّلُ، وَأَطْلَقَ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمَرَضَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ رَجَاءِ زَوَالِهِ وَعَدَمِهِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

عَطَفَ الْمَرَضَ عَلَى الْهَرَمِ مِنْ عَطْفِ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، فَإِنَّ الْمَرَضَ عَرَضٌ، وَالْهَرَمَ مَرَضٌ طَبِيعِيٌّ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يَعْجِزْ، وَلَكِنْ ‏(‏لَحِقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ‏)‏ وَضَبَطَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَدَخَلَ فِي الْمَشَقَّةِ شِدَّةُ الشَّبَقِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كَفَّارَةِ الْوِقَاعِ، وَهُوَ شِدَّةُ الْغُلْمَةِ أَيْ شَهْوَةُ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ صَوْمِ رَمَضَانَ بِشَدَّةِ الشَّبَقِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فِيهِ لَيْلًا بِخِلَافِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِاسْتِمْرَارِ حُرْمَتِهِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ‏(‏أَوْ خَافَ‏)‏ مِنْ الصَّوْمِ ‏(‏زِيَادَةَ مَرَضٍ كَفَّرَ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏)‏ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ‏(‏أَوْ فَقِيرًا‏)‏ لِأَنَّهُ أَشَدُّ حَالًا مِنْهُ، وَيَكْفِي الْبَعْضُ مَسَاكِينُ وَالْبَعْضُ فُقَرَاءُ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ تَبِعَ فِيهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ، وَالْمُرَادُ تَمْلِيكُهُمْ فَقَدْ جَاءَ‏:‏ ‏{‏أَطْعَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَدَّةَ السُّدُسَ‏}‏ أَيْ مَلَّكَهَا، فَلَا يَكْفِي التَّغْدِيَةِ وَلَا التَّعْشِيَةِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ أَوْ يَكْفِي الدَّفْعُ‏؟‏ عِبَارَةُ الرَّوْضِ تَقْتَضِي اللَّفْظَ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالتَّمْلِيكِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ‏:‏ وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظٌ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَدَفْعِ الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْتَظَرْ زَوَالُ الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ لِلصَّوْمِ كَمَا يُنْتَظَرُ الْمَالُ الْغَائِبُ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ غَابَ مَالُهُ‏:‏ لَا يَجِدُ رَقَبَةً، وَيُقَالُ لِلْعَاجِزِ بِالْمَرَضِ‏:‏ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ، وَلِأَنَّ حُصُولَ الْمَالِ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ زَوَالِ الْمَرَضِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَحِينَئِذٍ ‏(‏لَا‏)‏ يَكْفِي تَمْلِيكُهُ ‏(‏كَافِرًا‏)‏ وَلَوْ ذِمِّيًّا ‏(‏وَلَا هَاشِمِيًّا، وَ‏)‏ لَا ‏(‏مُطَّلِبِيًّا‏)‏ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ وَقَرِيبِهِ، وَلَا إلَى مَكْفِيٍّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ، وَلَا إلَى عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَاعْتُبِرَ فِيهَا صِفَاتُ الزَّكَاةِ نَعَمْ لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَالسَّيِّدُ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ جَازَ لِأَنَّهُ صُرِفَ لِسَيِّدِهِ، وَيُصْرَفُ لِلسِّتِّينَ الْمَذْكُورِينَ ‏(‏سِتِّينَ مُدًّا‏)‏ لِكُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ كَأَنْ يَضَعَهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَيُمَلِّكُهَا لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ يُطْلِقُ، فَإِذَا قَبِلُوا ذَلِكَ أَجْزَأَ عَلَى الصَّحِيحِ، فَلَوْ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ بِتَمْلِيكِ وَاحِدٍ مُدَّيْنِ وَآخَرَ مُدًّا أَوْ نِصْفَ مُدٍّ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ سِتِّينَ مُدًّا مُدًّا بِتَكْرِيرِ الْمُدِّ كَانَ أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ‏:‏ خُذُوهُ وَنَوَى فَأَخَذُوهُ بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَ، فَإِنْ تَفَاوَتُوا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مُدًّا وَاحِدًا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ مَعَهُ مَنْ أَخَذَ مُدًّا آخَرَ وَهَكَذَا وَإِنْ صَرَفَ سِتِّينَ مُدًّا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ بِالسَّوِيَّةِ اُحْتُسِبَ لَهُ بِثَلَاثِينَ مُدًّا، فَيَصْرِفُ ثَلَاثِينَ أُخْرَى إلَى سِتِّينَ مِنْهُمْ وَيَسْتَرِدُّ مِنْ الْبَاقِينَ إنْ كَانَ ذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ، وَإِنْ صَرَفَ سِتِّينَ إلَى ثَلَاثِينَ بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ كُلٌّ مِنْهُمْ عَنْ مُدٍّ لَزِمَهُ صَرْفُ ثَلَاثِينَ مُدًّا إلَى ثَلَاثِينَ غَيْرِهِمْ وَيَسْتَرِدُّ كَمَا سَبَقَ، وَلَوْ صَرَفَ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ مُدَّيْنِ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ جَازَ، وَإِنْ أَعْطَى رَجُلًا مُدًّا وَاشْتَرَاهُ مِنْهُ مَثَلًا وَدَفَعَهُ لِآخَرَ وَهَكَذَا إلَى سِتِّينَ أَجْزَأَهُ وَكُرِهَ، وَلَوْ دَفَعَ الطَّعَامَ إلَى الْإِمَامِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ جِنْسَ الْأَمْدَادِ ‏(‏مِمَّا‏)‏ أَيْ مِنْ جِنْسِ الْحَبِّ الَّذِي ‏(‏يَكُونُ فِطْرَةً‏)‏ فَتَخْرُجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِ الْمُكَفِّرِ، فَلَا يُجْزِئُ نَحْوَ الدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ إخْرَاجِ الْأَقِطِ وَاللَّبَنِ لِتَجْوِيزِهِ إخْرَاجَهُمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَقِطِ وَأَمَّا اللَّبَنُ فَقَدْ صَحَّحَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ مَنْعَ إجْزَائِهِ

خَاتِمَةٌ‏:‏

إذَا عَجَزَ مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ بَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَلَا يَطَأُ الْمُظَاهِرُ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلَا تُجْزِئُ كَفَّارَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ خَصْلَتَيْنِ كَأَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَيَصُومَ شَهْرًا أَوْ يَصُومَ شَهْرًا، وَيُطْعِمَ ثَلَاثِينَ، فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ صَامَ؛ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ وَلَوْ بَعْضَ مُدٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَيَبْقَى الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ، وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ كَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا، وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى رَقَبَةٍ أَعْتَقَهَا عَنْ إحْدَاهُمَا وَصَامَ عَنْ الْآخَرِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا أَطْعَمَ

كِتَابُ اللِّعَانِ

المتن‏:‏

يَسْبِقُهُ قَذْفٌ وَصَرِيحُهُ الزِّنَا كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ‏:‏ زَنَيْتَ أَوْ زَنَيْتِ أَوْ يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ، وَالرَّمْيُ بِإِيلَاجِ حَشَفَةٍ فِي فَرْجٍ مَعَ وَصْفِهِ بِتَحْرِيمٍ أَوْ دُبُرٍ صَرِيحَانِ، وَزَنَأْت فِي الْجَبَلِ كِنَايَةٌ، وَكَذَا زَنَأْت فَقَطْ فِي الْأَصَحِّ، وَزَنَيْت فِي الْجَبَلِ صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ يَا فَاجِرُ يَا فَاسِقُ، وَلَهَا يَا خَبِيثَةُ، وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ، وَلِقُرَشِيٍّ‏:‏ يَا نَبَطِيُّ، وَلِزَوْجَتِهِ لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ كِنَايَةٌ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏كِتَابُ اللِّعَانِ‏)‏ هُوَ لُغَةً‏:‏ الْمُبَاعَدَةُ، وَمِنْهُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَيْ أَبْعَدَهُ وَطَرَدَهُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِبُعْدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الرَّحْمَةِ، أَوْ لِبُعْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ، فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، وَشَرْعًا‏:‏ كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إلَى قَذْفِ مَنْ لَطَخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ أَوْ إلَى نَفْيِ وَلَدٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ لِعَانًا لِقَوْلِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، وَإِطْلَاقُهُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَجَازِ التَّغْلِيبِ، وَاخْتِيرَ لَفْظُهُ دُونَ لَفْظِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي اللِّعَانِ لِكَوْنِ اللَّعْنَةِ مُتَعَدِّيَةً فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْوَاقِعِ، وَلِأَنَّ لِعَانَهُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْ لِعَانِهَا وَلَا يَنْعَكِسُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ‏}‏ الْآيَاتِ، وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ ‏{‏أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك، فَقَالَ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ‏؟‏، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَرِّرُ ذَلِكَ، فَقَالَ هِلَالٌ‏:‏ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا إنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ، فَنَزَلَتْ الْآيَاتُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ اللِّعَانَ قَذْفٌ‏}‏ كَمَا قَالَ ‏(‏يَسْبِقُهُ قَذْفٌ‏)‏ وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَةً‏:‏ الرَّمْيُ، وَشَرْعًا‏:‏ الرَّمْيُ بِالزِّنَا عَلَى جِهَةِ التَّعْبِيرِ، أَوْ نَفْيِ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ اللِّعَانَ بَعْدَ الْقَذْفِ، وَلِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِدَفْعِ الْحَدِّ أَوْ نَفْيِ الْوَلَدِ، وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ ذَلِكَ

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ‏:‏ قَذْفٌ أَوْ نَفْيُ وَلَدٍ كَانَ أَوْلَى وَأَشْمَلَ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ شَهِدَ بِزِنَاهَا أَرْبَعٌ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَمْلِ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الْقَذْفَ بِالزِّنَا، وَيَقُولُ‏:‏ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ ثَلَاثَةٌ‏:‏ صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ، وَتَعْرِيضٌ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ، فَقَالَ ‏(‏وَصَرِيحُهُ‏)‏ أَيْ الْقَذْفِ مُطْلَقًا ‏(‏الزِّنَا كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ‏:‏ زَنَيْتَ أَوْ زَنَيْتِ‏)‏ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا ‏(‏أَوْ يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ‏)‏ لِتَكَرُّرِ ذَلِكَ وَشُهْرَتِهِ كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ، وَلَوْ كَسَرَ التَّاءَ فِي خِطَابِ الرَّجُلِ أَوْ فَتَحَهَا فِي خِطَابِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ بِالتَّذْكِيرِ لِلْمُؤَنَّثِ وَعَكْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ كَقَوْلِهِ لِلرَّجُلِ‏:‏ يَا زَانِيَةُ وَلِلْمَرْأَةِ‏:‏ يَا زَانِي

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ قَدْ يُخْرِجُ الْخُنْثَى، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ أَنَّهُ إذَا خَاطَبَ خُنْثَى بِزَانِيَةٍ أَوْ زَانٍ يَجِبُ الْحَدُّ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ صَرِيحًا إنْ أَضَافَ الزِّنَا إلَى فَرْجَيْهِ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى أَحَدِهِمَا كَانَ كِنَايَةً هَذَا إذَا قَالَ لِمَنْ يُمْكِنُ وَطْؤُهُ فِي مَعْرَضِ التَّعْبِيرِ، فَلَوْ قَالَ لِابْنَةِ سَنَةٍ مَثَلًا‏:‏ زَنَيْت فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، لِأَنَّ الْقَذْفَ مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ أَوْ الْكَذِبَ، وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ، وَلِهَذَا يُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا مَعَ تَمَامِ النِّصَابِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ بِحَقٍّ، فَقَالَ‏:‏ خَصْمِي يَعْلَمُ زِنَا شَاهِدِهِ فَحَلَّفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ، وَمِثْلُهُ أَخْبَرَنِي بِأَنَّهُ زَانٍ أَوْ شَهِدَ بِجُرْحِهِ فَاسْتَفْسَرَهُ الْحَاكِمُ فَأَخْبَرَهُ بِزِنَاهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، أَوْ قَالَ لَهُ اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ اسْمُهَا زَانِيَةً فَنَادَاهَا بِهِ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا تَخْرُجُ بِقَوْلِنَا‏:‏ عَلَى جِهَةِ التَّعْيِيرِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَرْأَةِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَهَا أَوْ يَظُنَّهَا زَوْجَتَهُ أَمْ لَا ‏(‏وَالرَّمْيُ‏)‏ لِشَخْصٍ ‏(‏بِإِيلَاجِ‏)‏ ذَكَرِهِ أَوْ ‏(‏حَشَفَةٍ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏فِي فَرْجٍ مَعَ وَصْفِهِ‏)‏ أَيْ الْإِيلَاجِ ‏(‏بِتَحْرِيمٍ‏)‏ مُطْلَقًا ‏(‏أَوْ‏)‏ الرَّمْيُ بِإِيلَاجِ ذَكَرٍ أَوْ حَشَفَةٍ فِي ‏(‏دُبُرٍ صَرِيحَانِ‏)‏ وَهَذَا خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ، وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الْمُقَدَّرُ بِأَوْ التَّقْسِيمِيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ صَرِيحٌ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ، وَمِنْ الصَّرِيحِ‏:‏ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ مِنْ النُّونِ وَالْيَاءِ وَالْكَافِ الْمَوْصُوفُ بِالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ فِي الْإِيلَاجِ وُصِفَ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الْوَصْفَ بِالتَّحْرِيمِ فِي الْقُبُلِ دُونَ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ فِي الدُّبُرِ لَا يَكُونُ إلَّا حَرَامًا، فَإِنْ لَمْ يَصِفْ الْأَوَّلَ بِالتَّحْرِيمِ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ لِصِدْقِهِ بِالْحَلَالِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ قَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا وَلَيْسَ بِزِنًا كَوَطْءِ حَائِضٍ وَمُحَرَّمَةٍ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُضِيفَ إلَى وَصْفِهِ بِالتَّحْرِيمِ مَا يَقْتَضِي الزِّنَا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِذَاتِهِ فَهُوَ صَرِيحٌ، فَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَ وَاحْتُمِلَ الْحَالُ قُبِلَ مِنْهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ فِي دَعْوَى إرَادَةِ حِلِّ الْوِثَاقِ، وَسَوَاءٌ خُوطِبَ بِهِمَا ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى كَقَوْلِهِ لِلذَّكَرِ‏:‏ أَوْلَجْت فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ أَوْ دُبُرٍ أَوْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِك، وَلَهَا أَوْلَجَ فِي فَرْجِك الْمُحَرَّمِ أَوْ دُبُرِك، وَقَوْلُهُ‏:‏ زَنَيْت فِي قُبُلِك صَرِيحٌ فِي الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يُزْنَى بِهِ لَا فِيهِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ وَطِئَك فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ اثْنَانِ مَعًا لَمْ يَكُنْ قَذْفًا لِاسْتِحَالَتِهِ فَهُوَ كَذِبٌ مَحْضٌ فَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ، فَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِقُبُلٍ وَلَا دُبُرٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ فَيُحَدُّ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ بِوَطْءِ وَاحِدٍ فِي الْقُبُلِ وَالْآخَرُ فِي الدُّبُرِ ا هـ وَفِي هَذَا نَظَرٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُ النِّسَاءَ ‏(‏وَزَنَأْت‏)‏ بِالْهَمْزِ ‏(‏فِي الْجَبَلِ‏)‏ أَوْ السُّلَّمِ أَوْ نَحْوِهِ ‏(‏كِنَايَةٌ‏)‏ لِأَنَّ الزِّنَا فِي الْجَبَلِ وَنَحْوِهِ هُوَ الصُّعُودِ فِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِالتَّقْيِيدِ بِالْجَبَلِ عَمَّا لَوْ قَالَ‏:‏ زَنَأْت بِالْهَمْزَةِ فِي الْبَيْتِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الصُّعُودِ فِي الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ دَرَجٌ يَصْعَدُ إلَيْهِ فِيهَا فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ ‏(‏وَكَذَا زَنَأْت فَقَطْ‏)‏ أَيْ بِالْهَمْزِ وَحَذْفُ الْجَبَلِ، كِنَايَةٌ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي الصُّعُودَ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَالْيَاءُ قَدْ تُبْدَلُ هَمْزَةً وَالثَّالِثُ‏:‏ إنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ فَكِنَايَةٌ، وَإِلَّا فَصَرِيحٌ ‏(‏وَزَنَيْت‏)‏ بِالْيَاءِ ‏(‏فِي الْجَبَلِ صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِلظُّهُورِ فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ فِي الدَّارِ، وَذِكْرُ الْجَبَلِ يَصْلُحُ فِيهِ إرَادَةُ مَحِلِّهِ، فَلَا يَنْصَرِفُ الصَّرِيحُ عَنْ مَوْضُوعِهِ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ أَرَدْت الصُّعُودَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ إرَادَتِهِ، وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْيَاءَ قَدْ تُقَامُ مَقَامَ الْهَمْزَةِ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَالثَّالِثُ‏:‏ إنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ فَصَرِيحٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ يَا زَانِيَةُ فِي الْجَبَلِ بِالْيَاءِ كَانَ كِنَايَةً كَمَا قَالَاهُ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَلَّا كَانَ كَقَوْلِهِ زَنَيْت فِي الْجَبَلِ كَمَا مَرَّ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِمَا قَرَنَ قَوْلَهُ فِي الْجَبَلِ الَّذِي هُوَ مَحِلُّ الصُّعُودِ بِالِاسْمِ الْمُنَادَى الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لِإِنْشَاءِ الْعُقُودِ خَرَجَ عَنْ الصَّرَاحَةِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ ‏(‏وَقَوْلُهُ‏)‏ لِرَجُلٍ ‏(‏يَا فَاجِرُ يَا فَاسِقُ‏)‏ يَا خَبِيثُ ‏(‏وَلَهَا‏)‏ أَيْ لِامْرَأَةٍ يَا فَاجِرَةُ يَا فَاسِقَةُ ‏(‏يَا خَبِيثَةُ وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ‏)‏ أَيْ الظُّلْمَةَ أَوْ لَا تَرُدِّينَ يَدَ لَامِسٍ ‏(‏وَلِقُرَشِيٍّ‏:‏ يَا نَبَطِيُّ‏)‏ نِسْبَةً لِلْأَنْبَاطِ، وَهُمْ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ الْبَطَائِحَ بَيْنَ الْعِرَاقَيْنِ أَيْ أَهْلِ الزِّرَاعَةِ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ الْمَاءَ أَيْ إخْرَاجِهِ مِنْ الْأَرْضِ ‏(‏وَلِزَوْجَتِهِ لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ‏)‏ أَوْ بِكْرًا أَوْ وَجَدْت مَعَك رَجُلًا ‏(‏كِنَايَةٌ‏)‏ فِي الْقَذْفِ هُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ كُلِّهَا لِاحْتِمَالِهَا الْقَذْفَ وَغَيْرَهُ، وَالْقَذْفُ فِي‏:‏ ‏"‏ يَا نَبَطِيُّ ‏"‏ لِأُمِّ الْمُخَاطِبَ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعَرَبِيِّ بَدَلَ الْقُرَشِيِّ لَكَانَ أَعَمَّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ لِزَوْجَتِهِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِالزَّوْجَةِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ تَصْوِيرُهُ فِيمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا تَقَدُّمُ افْتِضَاضٍ مُبَاحٍ، فَإِنْ عُلِمَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَطْعًا

تَنْبِيهٌ‏:‏

اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِ الشَّخْصِ لِغَيْرِهِ‏:‏ يَا لُوطِيُّ، فَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَصَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ مَا مَرَّ‏:‏ قَدْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ بِإِرَادَةِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، بَلْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا هَذَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَإِلَّا فَيَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا شَاعَ لَفْظٌ فِي الْعُرْفِ، كَقَوْلِهِ‏:‏ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهِ أَرَادَ أَنَّهُ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا يَفْهَمُهُ الْعَوَامُّ، فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ ا هـ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ إنَّ نُسَخَ التَّنْبِيهِ مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي بَعْضِهَا يَا لَائِطُ قَالَ‏:‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَائِطَ هِيَ الصَّحِيحَةُ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ‏:‏ وَلَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ يَا بَغِيُّ، أَوْ لَهَا يَا قَحْبَةُ فَهُوَ كِنَايَةٌ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَوَاخِرَ الطَّلَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ يَا قَحْبَةُ صَرِيحٌ ا هـ‏.‏ وَهَذَا أَظْهَرُ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَفْتَى أَيْضًا بِصَرَاحَةٍ‏:‏ يَا مُخَنَّثُ لِلْعُرْفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ

المتن‏:‏

فَإِنْ أَنْكَرَ إرَادَةَ قَذْفٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَقَوْلُهُ يَا ابْنَ الْحَلَالِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ، وَنَحْوِهِ تَعْرِيضٌ لَيْسَ بِقَذْفٍ وَإِنْ نَوَاهُ، وَقَوْلُهُ زَنَيْت بِكَ إقْرَارٌ بِزِنًا وَقَذْفٍ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْت بِك أَوْ أَنْتِ أَزْنَى مِنِّي فَقَاذِفٌ وَكَانِيَةٌ فَلَوْ قَالَتْ زَنَيْت وَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ وَقَاذِفَةٌ، وَقَوْلُهُ زَنَى فَرْجُك أَوْ ذَكَرُك قَذْفٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ قَوْلَهُ يَدُك وَعَيْنُك، وَلِوَلَدِهِ لَسْت مِنِّي أَوْ لَسْت ابْنِي كِنَايَةٌ، وَلِوَلَدِ غَيْرِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ صَرِيحٌ إلَّا لِمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ أَنْكَرَ‏)‏ شَخْصٌ فِي الْكِنَايَةِ ‏(‏إرَادَةَ قَذْفٍ‏)‏ بِهَا ‏(‏صُدِّقَ بِيَمِينِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفَهُ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، ثُمَّ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لِلْإِيذَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا خَرَجَ لَفْظُهُ مَخْرَجَ السَّبِّ وَالذَّمِّ وَإِلَّا فَلَا تَعْزِيرَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَلَيْسَ لَهُ الْحَلِفُ كَاذِبًا دَفْعًا لِلْحَدِّ وَتَحَرُّزًا مِنْ إتْمَامِ الْإِيذَاءِ، بَلْ يَلْزَمُهُ الِاعْتِرَافُ بِالْقَذْفِ لِيُحَدَّ أَوْ يُعْفَى عَنْهُ كَالْقَاتِلِ لِغَيْرِهِ خُفْيَةً، لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ وَاجِبٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ لَكِنْ لَوْ كَانَ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ يُعْلَمُ زِنَاهُ يَقِينًا فَهَلْ يَكُونُ عُذْرًا فِي التَّوْرِيَةِ عِنْدَ تَحْلِيفِ الْحَاكِمِ لَهُ لِيَدْرَأَ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَتَجُوزُ التَّوْرِيَةُ أَوْ لَا‏؟‏ الْأَقْرَبُ عِنْدِي جَوَازُهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْمَعَرَّةِ عَنْ الْمَقُولِ لَهُ، بَلْ يَقْرَبُ إيجَابُ ذَلِكَ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يُحَدُّ بِذَلِكَ، وَتَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَرِوَايَتُهُ وَمَا تَحَمَّلَهُ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ا هـ‏.‏ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَصِيغَةُ الْحَلِفِ، أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ‏:‏ وَلَا يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا قَذَفَهُ، وَهَلْ وَجَبَ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ مَعَ النِّيَّةِ أَوْ لَا يَجِبُ حَتَّى يَعْتَرِفَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِنَايَةِ الْقَذْفَ‏؟‏ تَرَدَّدَ فِيهِ الْإِمَامُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَوَّلُ ‏(‏وَقَوْلُهُ‏)‏ لِغَيْرِهِ فِي خُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ‏(‏يَا ابْنَ الْحَلَالِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَلَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ وَلَسْت ابْنَ خَبَّازٍ أَوْ إسْكَافٍ، وَمَا أَحْسَنَ اسْمُك فِي الْجِيرَانِ ‏(‏تَعْرِيضٌ‏)‏ بِغَيْرِهِ، وَ ‏(‏لَيْسَ بِقَذْفٍ‏)‏ لَهُ صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ ‏(‏وَإِنْ نَوَاهُ‏)‏ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظَ الْمَنْوِيَّ، وَهَهُنَا لَيْسَ فِي اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِهِ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ وَنَوَى أَنْ لَا يَتَقَلَّدَ مِنْهُ فَإِنَّهُ إنْ شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ لَمْ يَحْنَثْ، فَاللَّفْظُ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْقَذْفَ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَهُ فَصَرِيحٌ، وَإِلَّا فَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ بِوَضْعِهِ فَكِنَايَةٌ وَإِلَّا فَتَعْرِيضٌ، وَلَيْسَ الرَّمْيُ بِإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ قَذْفًا، وَالنِّسْبَةُ إلَى غَيْرِ الزِّنَا مِنْ الْكِبَارِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ إيذَاءٌ، كَقَوْلِهِ لَهَا‏:‏ زَنَيْت بِفُلَانَةَ أَوْ أَصَابَتْكِ فُلَانَةُ يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ لِلْإِيذَاءِ، لَا الْحَدِّ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ ‏(‏وَقَوْلُهُ‏)‏ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ‏:‏ عَلَوْت رَجُلًا حَتَّى دَخَلَ ذَكَرُهُ فِي فَرْجِك صَرِيحٌ، وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ ‏(‏زَنَيْت بِكَ‏)‏ بِفَتْحِ الْكَافِ أَوْ كَسْرِهَا ‏(‏إقْرَارٌ بِزِنًا‏)‏ عَلَى نَفْسِهِ ‏(‏وَقَذْفٌ‏)‏ لِلْمُخَاطَبِ أَمَّا كَوْنُهُ إقْرَارًا فَلِقَوْلِهِ‏:‏ زَنَيْت، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَذْفًا فَلِقَوْلِهِ‏:‏ بِكَ رَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ‏:‏ زَنَيْت مَعَ فُلَانٍ كَانَ قَذْفًا لَهَا دُونَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَلَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ ا هـ‏.‏ وَفَرَّقَ فِي الْوَسِيطِ بِأَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِيذَاءُ التَّامُّ لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ مِنْهُ إلَى صُدُورِهِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ، وَلِهَذَا يُحَدُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا مَعَ احْتِمَالِ إرَادَةِ زِنَا الْعَيْنِ وَالرِّجْلِ ‏(‏وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ‏:‏ يَا زَانِيَةُ‏)‏ بِنْتُ الزَّانِيَةِ وَجَبَ حَدَّانِ لَهَا وَلِأُمِّهَا، فَإِنْ طَلَبَتَا الْحَدَّ بُدِئَ بِحَدِّ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَحَدُّ الزَّوْجَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالزَّوْجُ مُمْكِنٌ مِنْ إسْقَاطِهِ بِاللِّعَانِ، بِخِلَافِ حَدِّ الْأُمِّ وَيُمْهَلُ لِلثَّانِي إلَى الْبُرْءِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ ‏(‏ فَقَالَتْ‏)‏ لَهُ جَوَابًا ‏(‏زَنَيْت بِكَ أَوْ أَنْتِ أَزْنَى مِنِّي فَقَاذِفٌ‏)‏ لَهَا فَيُحَدُّ لِإِتْيَانِهِ بِلَفْظِ الْقَذْفِ الصَّرِيحِ ‏(‏وَكَانِيَةٌ‏)‏ فِي قَذْفِهِ فَتُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ عَدَمِ قَذْفِهِ بِيَمِينِهَا، لِأَنَّ قَوْلَهَا الْأَوَّلَ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الزِّنَا أَيْ لَمْ أَفْعَلْ كَمَا لَمْ تَفْعَلْ، وَهَذَا مُسْتَعْمَلٌ عُرْفًا كَقَوْلِك لِمَنْ قَالَ تَغَدَّيْت تَغَدَّيْت مَعَك وَقَوْلُهَا الثَّانِي يَحْتَمِلُ إرَادَةَ مَا وَطِئَنِي غَيْرُك، فَإِنْ كُنْت زَانِيَةً فَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي، لِأَنِّي مُمَكِّنَةٌ وَأَنْتَ فَاعِلٌ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُقِرَّةً بِالزِّنَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَرَّضْ لِذَلِكَ إلَّا فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ا هـ‏.‏ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهَا الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهِيَ مُقِرَّةٌ بِالزِّنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهَا إقْرَارٌ صَرِيحٌ بِالزِّنَا، وَكَانِيَةٌ اسْمِ فَاعِلٍ مِنْ كَنَيْت وَيَجُوزُ كَانُونَةٌ مِنْ كَنَوْتِ عَنْ كَذَا إذَا لَمْ تُصَرِّحْ بِهِ ‏(‏فَلَوْ قَالَتْ‏)‏ فِي جَوَابِ الزَّوْجِ فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ ‏(‏زَنَيْت وَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ‏)‏ عَلَى نَفْسِهَا بِالزِّنَا بِقَوْلِهَا‏:‏ زَنَيْت ‏(‏وَقَاذِفَةٌ‏)‏ لِزَوْجِهَا بِاللَّفْظِ الْآخَرِ صَرِيحًا فَتُحَدُّ لِلْقَذْفِ وَالزِّنَا، وَيَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، فَإِنْ رَجَعَتْ سَقَطَ حَدُّ الزِّنَا لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ دُونَ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا ابْتِدَاءً‏:‏ أَنْتَ أَزْنَى مِنْ فُلَانٍ كَانَ كِنَايَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ ثَبَتَ زِنَاهُ وَعَلِمَتْ بِثُبُوتِهِ فَيَكُونَ صَرِيحًا فَتَكُونَ قَاذِفَةً لَا إنْ جَهِلَتْ فَيَكُونَ كِنَايَةً فَتُصَدَّقَ بِيَمِينِهَا فِي جَهْلِهَا، فَإِذَا حَلَفَتْ عُزِّرَتْ وَلَمْ تُحَدَّ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ ابْتِدَاءً‏:‏ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَهُوَ كَهَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ‏:‏ يَا زَانِي فَقَالَ زَنَيْت بِكِ، أَوْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَقَاذِفَةٌ لَهُ صَرِيحًا وَهُوَ كَانَ عَلَى وِزَانِ مَا مَرَّ إلَخْ، فَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِهَا‏:‏ زَنَيْت وَأَنْتِ أَزْنَى مِنِّي فَهُوَ مُقِرٌّ بِالزِّنَا وَقَاذِفٌ لَهَا عَلَى وِزَانِ مَا مَرَّ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ‏:‏ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ‏:‏ زَنَيْت بِكَ، أَوْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَهُوَ قَاذِفٌ وَهِيَ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ قَاذِفَةٌ لَهُ مَعَ إقْرَارِهَا بِالزِّنَا، وَفِي الْجَوَابِ الثَّانِي كَزَانِيَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ أَهْدَى إلَى الزِّنَا وَأَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَيُقَاسَ بِمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيٍّ‏:‏ يَا زَانِي فَيَقُولُ‏:‏ زَنَيْت بِكَ، أَوْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ ابْتِدَاءً‏:‏ فُلَانٌ زَانٍ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنْهُ، أَوْ فِي النَّاسِ زُنَاةٌ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنْهُمْ فَصَرِيحٌ لَا إنْ قَالَتْ النَّاسُ زُنَاةٌ، أَوْ أَهْلُ مِصْرَ مَثَلًا زُنَاةٌ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنْهُمْ فَلَيْسَ قَذْفًا لِتَحَقُّقِ كَذِبِهَا إلَّا إنْ نَوَتْ مَنْ زَنَى مِنْهُمْ فَيَكُونُ قَذْفًا ‏(‏وَقَوْلُهُ‏)‏ لِغَيْرِهِ ‏(‏زَنَى فَرْجُك أَوْ ذَكَرُك‏)‏ أَوْ قُبُلُك أَوْ دُبُرُك بِفَتْحِ الْكَافِ أَوْ كَسْرِهَا فِيمَا ذَكَرَ ‏(‏قَذْفٌ‏)‏ لِأَنَّهُ آلَةُ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَوْ مَحِلُّهُ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ قَذْفًا صَرِيحًا فِي الْخُنْثَى إلَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْفَرْجِ وَالذَّكَرِ، وَقَدْ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْقَذْفِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ تَقَاذَفَ شَخْصَانِ فَلَا تَقَاصَّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ وَالصِّفَةُ وَمَوَاقِعُ السِّيَاطِ وَأَلَمُ الضَّرَبَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ ‏(‏وَالْمَذْهَبُ أَنَّ قَوْلَهُ‏)‏ زَنَتْ ‏(‏يَدُك‏)‏ وَرِجْلُك ‏(‏وَعَيْنُك، وَ‏)‏ أَنَّ قَوْلَهُ ‏(‏لِوَلَدِهِ‏)‏ اللَّاحِقِ بِهِ ظَاهِرًا ‏(‏لَسْت مِنِّي أَوْ لَسْت ابْنِي كِنَايَةٌ‏)‏ فِي قَذْفِ أُمِّهِ، فَإِنْ قَصَدَ الْقَذْفَ كَانَ قَاذِفًا وَإِلَّا فَلَا أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ زِنَا هَذِهِ الْأَعْضَاءِ اللَّمْسُ وَالْمَشْيُ وَالنَّظَرُ كَمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ‏}‏ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيِّ إلَّا بِالْإِرَادَةِ، وَلِهَذَا لَوْ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالزِّنَا قَطْعًا وَقِيلَ‏:‏ إنَّهُ صَرِيحٌ قِيَاسًا عَلَى الْفَرْجِ، وَلِأَنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إلَى عُضْوٍ مِنْ الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْأَبَ يَحْتَاجُ إلَى تَأْدِيبِ وَلَدِهِ إلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ زَجْرًا لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّأْدِيبِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنَّ قَوْلَهُ ‏(‏لِوَلَدِ غَيْرِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ صَرِيحٌ‏)‏ فِي قَذْفِ أُمِّ الْمُخَاطَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْدِيبِ وَلَدِ غَيْرِهِ وَقِيلَ‏:‏ إنَّهُ كِنَايَةٌ كَوَلَدِهِ ‏(‏إلَّا لِمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ‏)‏ وَلَمْ يَسْتَلْحِقْهُ الْمُلَاعِنُ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي قَذْفِ أُمِّهِ لِجَوَازِ إرَادَةِ لَسْت ابْنَهُ شَرْعًا، أَوْ لَسْت تُشْبِهُهُ خَلْقًا أَوْ خُلُقًا، وَلَهَا تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَذْفَهَا، فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ أَنَّهُ أَرَادَ قَذْفَهَا حُدَّ وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ أَرَدْت الْقَذْفَ رُتِّبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَمَّا إذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِلْحَاقِ النَّافِي لَهُ فَهُوَ قَذْفٌ صَرِيحٌ‏:‏ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ احْتِمَالًا مُمْكِنًا كَقَوْلِهِ‏:‏ لَمْ يَكُنْ ابْنُهُ حِينَ نَفَاهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ وَلَا يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ مَا أَرَادَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَذْفٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيَحُدُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ مَا أَرَادَ، فَإِنْ ادَّعَى مُحْتَمَلًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا حَدَّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَ الِاسْتِلْحَاقِ أَنَّا لَا نَحُدُّهُ هُنَاكَ حَتَّى نَسْأَلَهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ كِنَايَةٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَهُنَا ظَاهِرُ لَفْظِهِ الْقَذْفُ فَيُحَدُّ بِالظَّاهِرِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مُحْتَمَلًا

المتن‏:‏

وَيُحَدُّ قَاذِفُ مُحْصَنٍ وَيُعَزَّرُ غَيْرُهُ، وَالْمُحْصَنُ مُكَلَّفٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ، وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا زَوْجَتِهِ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ وَأَمَةِ وَلَدِهِ وَمَنْكُوحَتِهِ بِلَا وَلِيٍّ فِي الْأَصَحِّ

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي مُوجِبِ الْقَذْفِ وَهُوَ الْحَدُّ فَقَالَ ‏(‏وَيُحَدُّ قَاذِفُ مُحْصَنٍ‏)‏ ثَمَانِينَ جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ‏}‏ الْآيَةَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحَدِّ وَشَرْطُهُ فِي بَابِهِ ‏(‏وَيُعَزَّرُ غَيْرُهُ‏)‏ وَهُوَ قَاذِفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ كَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالصَّبِيِّ وَالزَّانِي لِلْإِيذَاءِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

عِبَارَتُهُ قَدْ تُوهِمُ تَعْزِيرَ مَنْ لَمْ يَقْذِفْ أَحَدًا، فَلَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ وَيُعَزَّرُ قَاذِفُ غَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى، وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّعْزِيرِ آخِرَ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ ‏(‏وَالْمُحْصَنُ‏)‏ الَّذِي يُحَدُّ قَاذِفُهُ ‏(‏مُكَلَّفٌ‏)‏ وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ مَعَ أَنَّهُ عَلَى رَأْيِهِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ اعْتِمَادًا عَلَى اسْتِثْنَائِهِ لَهُ فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ ‏(‏حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ‏)‏ فَإِنْ لَمْ يَطَأُ أَصْلًا أَوْ وَطِئَ وَطْئًا لَا يُحَدُّ بِهِ كَوَطْءِ الشَّرِيكِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ؛ لِأَنَّ أَضْدَادَ ذَلِكَ نَقْصٌ، وَفِي الْخَبَرِ ‏{‏مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ‏}‏ وَإِنَّمَا جَعَلَ الْكَافِرَ مُحْصَنًا فِي حَدِّ الزِّنَا؛ لِأَنَّ حَدَّهُ إهَانَةٌ لَهُ، وَالْحَدُّ بِقَذْفِهِ إكْرَامٌ لَهُ، وَاعْتُبِرَتْ الْعِفَّةُ، لِأَنَّ مَنْ زَنَى لَا يَتَعَيَّرُ بِهِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُرَدُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا فَإِنَّهُ تَبْطُلُ بِهِ حَصَانَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِهِ وَيُتَصَوَّرُ الْحَدُّ بِقَذْفِ الْكَافِرِ بِأَنْ يَقْذِفَ مُرْتَدًّا بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ إسْلَامِهِ، وَبِقَذْفِ الْمَجْنُونِ بِأَنْ يَقْذِفَهُ بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ إفَاقَتِهِ، وَبِقَذْفِ الْعَبْدِ بِأَنْ يَقْذِفَهُ بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ حُرِّيَّتِهِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الرِّقُّ، وَصُورَتُهُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ الْأَسِيرُ ثُمَّ اخْتَارَ الْإِمَامُ فِيهِ الرِّقَّ ‏(‏وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ‏)‏ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِحْصَانِ ‏(‏بِوَطْءِ‏)‏ شَخْصٍ وَطْئًا حَرَامًا وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ بِهِ كَوَطْءِ ‏(‏مَحْرَمٍ‏)‏ لَهُ بِرَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ كَأُخْتٍ ‏(‏مَمْلُوكَةٍ‏)‏ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِدَلَالَتِهِ عَلَى قِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالزِّنَا بَلْ غُشْيَانُ الْمَحَارِمِ أَشَدُّ مِنْ غُشْيَانِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِهِ عَلَى نَفْسِ الْحَدِّ لِعَدَمِ الْتِحَاقِهِ بِالزِّنَا

تَنْبِيهٌ‏:‏

عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْخِلَافِ الْمُرَتَّبِ بِالْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِ اصْطِلَاحِهِ، وَ ‏(‏لَا‏)‏ تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءٍ حَرَامٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ كَوَطْءِ ‏(‏زَوْجَتِهِ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ‏)‏ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ عَارِضٌ يَزُولُ ‏(‏وَ‏)‏ لَا بِوَطْءِ ‏(‏أَمَةِ وَلَدِهِ‏)‏ لِثُبُوتِ النَّسَبِ حَيْثُ حَصَلَ عَلُوقٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ، وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةَ الْوَلَدِ وَلَا مُسْتَوْلَدَتَهُ، وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا بِوَطْءٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَوَطْءِ ‏(‏مَنْكُوحَتِهِ‏)‏ بِهَاءِ الضَّمِيرِ ‏(‏بِلَا وَلِيٍّ‏)‏ أَوْ بِلَا شُهُودٍ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ، وَقَوْلُهُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ، وَمُقَابِلُهُ تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِمَا ذَكَرَ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِيهِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ بِلَا وَلِيٍّ بَيْنَ مُعْتَقِدِ الْحِلِّ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ اخْتِصَاصُهُ بِمُعْتَقِدِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إحْرَامٍ، أَوْ صَوْمٍ، أَوْ اعْتِكَافٍ، وَلَا بِوَطْءِ مَمْلُوكَةٍ لَهُ مُرْتَدَّةٍ، أَوْ مُزَوَّجَةٍ، أَوْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ مُكَاتَبَةٍ، وَلَا بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ، وَلَا بِزِنَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، وَلَا بِوَطْءِ جَاهِلِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشْأَتِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا بِوَطْءِ مُكْرَهٍ، وَلَا بِوَطْءِ مَجُوسِيٍّ مُحَرَّمًا لَهُ كَأُمِّهِ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ ، وَلَا بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ

المتن‏:‏

وَلَوْ زِنَى مَقْذُوفٌ سَقَطَ الْحَدُّ، أَوْ ارْتَدَّ فَلَا

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ زَنَى مَقْذُوفٌ‏)‏ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ ‏(‏سَقَطَ الْحَدُّ‏)‏ عَنْ قَاذِفِهِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَا يُسْتَيْقَنُ بَلْ يُظَنُّ، وَظُهُورُ الزِّنَا يَخْدِشُهُ كَالشَّاهِدِ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ شَهِدَ بِشَيْءٍ ثُمَّ ظَهَرَ فِسْقُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْوَطْءُ الْمُسْقِطُ لِلْإِحْصَانِ كَطُرُوِّ الزِّنَا ‏(‏أَوْ ارْتَدَّ، فَلَا‏)‏ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالزِّنَا أَنَّهُ يَكْتُمُ مَا أَمْكَنَ، فَإِذَا ظَهَرَ أَشْعَرَ بِسَبْقِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ لَا يَهْتِكُ السِّتْرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ كَمَا قَالَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالرِّدَّةُ عَقِيدَةٌ وَالْعَقَائِدُ لَا تَخْفَى غَالِبًا فَإِظْهَارُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الْإِخْفَاءِ، وَكَالرَّدَّةِ السَّرِقَةُ وَالْقَتْلُ؛ لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا قَذَفَ بِهِ

المتن‏:‏

وَمَنْ زَنَى مَرَّةً ثُمَّ صَلَحَ لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا، وَحَدُّ الْقَذْفِ يُورَثُ وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِينَ كُلُّهُ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ زَنَى‏)‏ حَالَ تَكْلِيفِهِ وَلَوْ ‏(‏مَرَّةً ثُمَّ صَلَحَ‏)‏ بِأَنْ تَابَ وَصَلَحَ حَالُهُ ‏(‏لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا‏)‏ أَبَدًا وَلَوْ لَازَمَ الْعَدَالَةَ وَصَارَ مِنْ أَوْرَعِ خَلْقِ اللَّهِ وَأَزْهَدِهِمْ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ سَوَاءٌ أَقَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا، أَمْ بِزِنًا بَعْدَهُ، أَمْ أَطْلَقَ، لِأَنَّ الْعِرْضَ إذَا انْخَرَمَ بِالزِّنَا لَمْ يَزُلْ خَلَلُهُ بِمَا يَطْرَأُ مِنْ الْعِفَّةِ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ ‏{‏التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ‏}‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

دَخَلَ فِي قَوْلِنَا حَالَ تَكْلِيفِهِ الْعَبْدَ وَالْكَافِرَ فَإِنَّهُمَا إذَا زَنَيَا لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُمَا بَعْدَ الْكَمَالِ لِمَا ذَكَرَ، وَخَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَإِنَّ حَصَانَتِهَا لَا تَسْقُطُ بِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَيُحَدُّ مَنْ قَذَفَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بَعْدَ الْكَمَال؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَيْسَ بِزِنًا لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ ‏(‏وَحَدُّ الْقَذْفِ‏)‏ وَتَعْزِيرُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا ‏(‏يُورَثُ‏)‏ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَلَوْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ مُرْتَدًّا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَسْتَوْفِيهِ وَارِثُهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ لِلتَّشَفِّي كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ قِصَاصِ الْأَطْرَافِ ‏(‏وَيَسْقُطُ‏)‏ إمَّا ‏(‏بِعَفْوٍ‏)‏ عَنْ جَمِيعِهِ كَغَيْرِهِ أَوْ بِأَنْ يَرِثَ الْقَاذِفُ الْحَدَّ، فَلَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشُّفْعَةِ، وَأَلْحَقَ فِي الرَّوْضَةِ التَّعْزِيرَ بِالْحَدِّ، فَقَالَ‏:‏ إنَّهُ يَسْقُطُ بِعَفْوٍ أَيْضًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ صَحَّحَ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ جَوَازَ اسْتِيفَاءِ الْإِمَامِ لَهُ مَعَ الْعَفْوِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالسُّقُوطِ سُقُوطُ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَفَا عَنْ التَّعْزِيرِ ثُمَّ عَادَ وَطَلَبَهُ لِإِيجَابٍ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَهُ لِلْمَصْلَحَةِ، لَا لِكَوْنِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَاكَ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ عَفَا وَارِثُ الْمَقْذُوفِ عَلَى مَالٍ سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِي وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اغْتَابَ شَخْصًا لَمْ يُؤَثِّرْ التَّحْلِيلُ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِزِنًا يَعْلَمُهُ الْمَقْذُوفُ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَالِكًا، فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ لَهُ طَلَبُهُ، وَلَوْ قَذَفَهُ فَعَفَا عَنْهُ ثُمَّ قَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ، كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ يُعَزَّرُ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَمِثْلُهُ التَّعْزِيرُ ‏(‏يَرِثُهُ‏)‏ أَيْ جَمِيعَهُ ‏(‏كُلُّ‏)‏ فَرْدٍ مِنْ ‏(‏الْوَرَثَةِ‏)‏ الْخَاصِّينَ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ حَدٌّ وَإِلَّا لَتَعَدَّدَ الْحَدُّ بِتَعَدُّدِ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلسُّلْطَانِ كَالْمَالِ وَالْقِصَاصِ وَالثَّانِي يَرِثُهُ جَمِيعُهُمْ إلَّا الزَّوْجَيْنِ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا هَلْ لِأَحَدِهِمَا حَقٌّ أَوْ لَا‏؟‏ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمَنْعُ لِانْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ حَالَةَ الْقَذْفِ، وَلَوْ قَذَفَهُ أَوْ قَذَفَ مُوَرِّثَهُ شَخْصٌ كَانَ لَهُ تَحْلِيفُهُ فِي الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ زِنَا مُوَرِّثِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقِرُّ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ‏:‏ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا وَالتَّحْلِيفُ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ‏)‏ أَيْ الْوَرَثَةِ عَنْ حَقِّهِ مِمَّا وَرِثَهُ مِنْ الْحَدِّ ‏(‏فَلِلْبَاقِينَ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏كُلُّهُ‏)‏ أَيْ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ، وَلِأَنَّهُ عَارٌ، وَالْعَارُ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا يَلْزَمُ الْجَمِيعَ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ هَذَا اسْتِقْلَالُ كُلٍّ بِالِاسْتِيفَاءِ وَإِنْ لَمْ يَعْفُ غَيْرُهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَجَعَلَهُ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَفِي الْحَاوِي مَا يَقْتَضِيهِ وَالثَّانِي يَسْقُطُ جَمِيعُهُ كَمَا فِي الْقَوَدِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقَوَدَ لَهُ بَدَلٌ يُعْدَلُ إلَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ بِخِلَافِهِ وَالثَّالِثُ يَسْقُطُ نَصِيبُ الْعَافِي وَيَسْتَوْفِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّقْسِيطِ بِخِلَافِ الْقَوَدِ

فَائِدَةٌ‏:‏

هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا نَظِيرَ لَهَا، فَإِنَّ أَخَوَاتِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ إمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ الْحَقُّ فِيهَا عِنْدَ عَدَمِ الْعَفْوِ عَلَى بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ كَالشُّفْعَةِ أَوْ يَسْقُطُ كَالْقِصَاصِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وَاسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ يَسْتَوْفِيهِ سَيِّدُهُ أَوْ عَصَبَتُهُ الْأَحْرَارُ أَوْ السُّلْطَانُ‏؟‏ وُجُوهٌ أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا